فاستغنى بذلك عن ذكره هنا، لكن يرد على مفهومه السقط الذي لم تظهر أمارات حياته وظهر خلقه، فإنه يجب غسله مع أنه لا يوصف بالموت على القول الأصح في تعريفه لأن الموت عدم الحياة، ويعبر عنه بمفارقة الروح الجسد، وقيل عدم الحياة عما من شأنه الحياة، وقيل عرض يضادها لقوله تعالى: * (خلق الموت والحياة) *. ورد بأن المعنى قدر والعدم مقدر.
فإن قيل: عدم الموت من الموجبات مشكل، لأنه إن كان المراد الغسل ولو مع خلوه عن النية لزم أن يعدوا من تنجس جميع بدنه أو بعضه واشتبه ولم يعدوه، وإن أريد الغسل الذي تجب فيه النية لزم خروج الميت، فإنه لا يجب في غسله نية على الأصح. أجيب بجوابين: أحدهما: أن المراد الشق الأول والكلام في الغسل عن الاحداث فخرج من على بدنه نجاسة، ودخل غسل الميت على رأي أنه عن حدث. والثاني: أن المراد الشق الأول ومنع عد تنجس البدن من الموجبات، لأن الواجب إنما هو إزالة النجاسة، حتى لو فرض كشط جلده حصل المقصود. (و) ثانيها: (حيض) لقوله تعالى: * (فاعتزلوا النساء في المحيض) * أي الحيض، ولخبر البخاري أنه (ص) قال لفاطمة بنت أبي حبيش: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي. (و) ثالثها: (نفاس) لأنه دم حيض مجتمع. ويعتبر مع خروج كل منهما وانقطاعه القيام إلى الصلاة أي أو نحوها كما في الرافعي والتحقيق، وإن صحح في المجموع أن موجبه الانقطاع فقط. وظاهر قول المصنف بعد ذلك: وجنابة بدخول حشفة إلخ أن الموجب الايلاج أو الانزال، ويجري ذلك في دم الحيض والنفاس، والمعتمد الأول. فإن قيل: هل لهذا الخلاف ثمرة فقهية؟ قال إمام الحرمين: لا. وقال غيره: نعم، وهي فيما إذا قال لزوجته: إن وجب عليك غسل فأنت طالق، وذكر له فوائد أخر لكن على ضعف. ورابعها: ما ذكره بقوله: (وكذا ولادة) ولو علقة أو مضغة، (بلا بلل في الأصح) لأنه مني منعقد، ولأنه لا يخلو عن بلل غالبا فأقيم مقامه كالنوم مع الخارج، وتفطر به المرأة على الأصح في التحقيق وغيره بخلاف ما لو ألقت يدا أو رجلا أو نحو ذلك فإنه لا يجب عليها الغسل ولا تفطر به، أي بل تتخير بين الغسل والوضوء فيما يظهر. (و) خامسها: (جنابة) لقوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) *. وتحصل لآدمي حي فاعل أو مفعول به، (بدخول حشفة) ولو بلا قصد أو كان الذكر أشل أو غير منتشر. (أو قدرها) من مقطوعها، (فرجا) ولو غير مشتهى كأن كان من بهيمة أو ميتة أو دبر ذكر أو كان على الذكر خرقة ملفوفة ولو غليظة. أما في فرج المرأة فلقوله (ص): إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل وإن لم ينزل رواه مسلم. وأما الأخبار الدالة على اعتبار الانزال كخبر:
إنما الماء من الماء فمنسوخة. وأجاب ابن عباس رضي الله عنهما بأن معناه أنه لا يجب الغسل بالاحتلام إلا أن ينزل، وذكر الختان جرى على الغالب فيجب الغسل بجميع ما ذكر لأنه جماع في فرج. وليس المراد بالتقاء الختانين انضمامهما لعدم إيجابه الغسل بالاجماع، بل تحاذيهما، يقال: التقى الفارسان إذا تحاذيا وإن لم ينضما. وذلك إنما يحصل بإدخال الحشفة في الفرج، إذ الختانان محل القطع في الختان، وختان المرأة فوق مخرج البول، ومخرج البول فوق مدخل الذكر. ولو أولج حيوان قرد أو غيره في آدمي ولا حشفة له فهل يعتبر إيلاج كل ذكره أو إيلاج قدر حشفة معتدلة؟ قال الإمام: فيه نظر موكول إلى رأي الفقيه اه. وينبغي اعتماد الثاني. ويجنب صبي ومجنون أولجا أو أولج فيهما، ويجب عليهما الغسل بعد الكمال. وصح من مميز ويجزئه ويؤمر به كالوضوء. وإيلاج الخنثى وما دون الحشفة لا أثر له في الغسل. وأما الوضوء فيجب على المولج فيه بالنزع من دبره مطلقا، ومن قبل أنثى. وإيلاج الحشفة بالحائل جار في سائر الأحكام كإفساد الصوم والحج. ويخير الخنثى بين الوضوء والغسل بإيلاجه في دبر ذكر لا مانع من النقض بلمسه أو في دبر خنثى أولج ذكره في قبل المولج، لأنه إما جنب بتقدير ذكورته فيهما وأنوثته وذكورة الآخر في الثانية، أو محدث بتقدير أنوثته فيهما مع أنوثة الآخر في الثانية، فخير بينهما لما سيأتي فيمن اشتبه عليه المني بغيره. وكذا يخير الذكر إذا أولج الخنثى في دبره، ولا مانع من النقض كما هو مقتضى كلام الشيخين في باب الوضوء وإن صوب البلقيني وجوب الوضوء على الذكر وتخيير الخنثى.
أما إيلاجه في قبل خنثى أو في دبره ولم يولج الآخر في قبله فلا يوجب عليه شيئا. ولو أولج رجل في قبل خنثى فلا يجب عليهما غسل ولا وضوء لاحتمال أنه رجل، فإن أولج ذلك الخنثى في واضح آخر أجنب يقينا وحده لأنه جامع أو جومع