(و) من سننه (تثليث الغسل والمسح) المفروض والمندوب للاتباع، رواه مسلم وغيره. وإنما لم يجب لأنه (ص) توضأ مرة مرة، وتوضأ مرتين مرتين. ولو أطلق المصنف التثليث كان أولى ليشمل التخليل والقول كالتسمية والتشهد آخره، فقد روى التثليث في التخليل البيهقي، وفي القول في التشهد أحمد وابن ماجة، وصرح به الروياني، وظاهر أن غير التشهد مما في معناها كالتسمية مثله، وسيأتي إن شاء الله تعالى أن يكره تكرير مسح الخف. قال الزركشي: والظاهر إلحاق الجبيرة والعمامة إذا كمل بالمسح عليها بالخف. وتكره الزيادة على الثلاث، وكذا النقص عليها إلا لعذر كما سيأتي، لأنه (ص) توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم رواه أبو داود وغيره، وقال في المجموع: إنه صحيح، قال: نقلا عن الأصحاب وغيرهم. فمن زاد على الثلاث أو نقص عنها فقد أساء وظلم في كل من الزيادة والنقص، وقيل: أساء في النقص وظلم في الزيادة على الثلاث، وقيل عكسه. فإن قيل: كيف يكون النقص إساءة وظلما على الأول، أو إساءة على الثاني، أو ظلما على الثالث، وقد ثبت أنه (ص) توضأ مرة مرة ومرتين مرتين؟ أجيب بأن ذلك كان لبيان الجواز، فكان في ذلك الحال أفضل، لأن البيان في حقه (ص) واجب. قال ابن دقيق العيد: ومحل الكراهة في الزيادة على الثلاث إذا أتى بها على قصد نية الوضوء، أي أو أطلق، فلو زاد عليها بنية التبرد أو مع قطع نية الوضوء عنها لم يكره. وقال الزركشي: ينبغي أن يكون موضع الخلاف ما إذا توضأ بماء مباح أو مملوك له، فإن توضأ من ماء موقوف على من يتطهر به أو يتوضأ منه كالمدارس والربط حرمت الزيادة بلا خلاف لأنها غير مأذون فيها اه. وقد يطلب ترك التثليث كأن ضاق الوقت بحيث لو اشتغل به لخرج الوقت فإنه يحرم التثليث، أو قل الماء بحيث لا يكفيه إلا للفرض، فتحرم الزيادة لأنها تحوجه إلى التيمم مع القدرة على الماء كما ذكره البغوي في فتاويه، وجرى عليه المصنف في التحفة، أو احتاج إلى الفاضل عنه لعطش بأن كان معه من الماء ما يكفيه للشرب لو توضأ به مرة مرة، ولو ثلث لم يفضل للشرب شئ، فإنه يحرم التثليث كما قاله الجيلي في الاعجاز.
وإدراك الجماعة أفضل من تثليث الوضوء وسائر آدابه. ولا يجزئ تعدد قبل تمام العضو، نعم لو مسح بعض رأسه ثلاثا حصل له التثليث، لأن قولهم: من سنن الوضوء تثليث الممسوح، شامل لذلك. وأما ما تقدم فمحله في عضو يجب استيعابه بالتطهير ولا بعد تمام الوضوء، فلو توضأ مرة مرة، ثم توضأ ثانيا وثالثا كذلك لم يحصل التثليث كما جزم به ابن المقري في روضه، وفي فروق الجويني ما يقتضيه وإن أفهم كلام الإمام خلافه. فإن قيل: قد مر في المضمضة والاستنشاق أن التثليث يحصل بذلك؟ أجيب بأن الفم والأنف كعضو واحد فجاز ذلك فيهما كاليدين، بخلاف الوجه واليد مثلا لتباعدهما، فينبغي أن يفرغ من أحدهما ثم ينتقل إلى الآخر. (ويأخذ الشاك باليقين) في المفروض وجوبا وفي المسنون ندبا، لأن الأصل عدم ما زاد كما لو شك في عدد الركعات، فإذا شك هل غسل ثلاثا أو مرتين أخذ بالأقل وغسل الأخرى، وقيل: يأخذ بالأكثر حذرا من أن يزيد رابعة فإنها بدعة، وترك سنة أهون من بدعة. وأجاب الأول: بأن البدعة ارتكاب الرابعة عالما بكونها رابعة. (و) من سننه (مسح كل رأسه) للاتباع رواه الشيخان، وخروجا من خلاف من أوجبه. والسنة في كيفيته أن يضع يديه على مقدم رأسه ويلصق سبابته بالأخرى وإبهاميه على صدغيه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي ذهب منه إذا كان له شعر ينقلب، وحينئذ يكون الذهاب والرد مسحة واحدة لعدم تمام المسحة بالذهاب، فإن لم يقلب شعره لضفره أو قصره أو عدمه لم يرد لعدم الفائدة، فإن ردهما لم تحسب ثانية لأن الماء صار مستعملا. فإن قيل: هذا مشكل بما انغمس في ماء قليل ناويا رفع الحدث ثم أحدث وهو منغمس ثم نوى رفع الحدث في حال انغماسه فإن حدثه يرتفع ثانيا. أجيب بأن ماء المسح تافه فليس له قوة كقوة هذا، ولذلك لو أعاد ماء غسل الذراع مثلا ثانيا لم تحسب له غسلة أخرى لأنه تافه بالنسبة إلى ماء الانغماس. وإذا مسح كل رأسه هل يقع كله فرضا أو ما يقع عليه الاسم والباقي سنة؟ وجهان كنظيره من تطويل الركوع والسجود والقيام وإخراج البعير عن خمس في الزكاة. واختلف كلامهما في كتبهما في الترجيح في ذلك، ورجح صاحب العباب أن ما يقع