مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٤٨
لهذه الأشياء، فإذا نواها فقد نوى غاية القصد. وشمل إطلاقه ما لو نوى استباحة صلاة معينة كالظهر فإنه يصح لها ولغيرها، وإن نفاه على الأصح كأن نوى استباحة الظهر ونفى غيرها، لأن الحدث لا يتجزأ كما مر، والتعرض لما عينه غير واجب فيلغو ذكره. ونقل الزركشي عن فتاوى البغوي أنه لو نوى رفع حدثه في حق صلاة واحدة لا في حق غيرها لم يصح وضوؤه قولا واحدا، لأن ارتفاع حدثه لا يتجزأ، فإذا بقي بعضه بقي كله اه‍. ورد هذا شيخنا بما تقدم. وفرق ابن شهبة بأن في مسألة البغوي نفي بعض حدثه الذي رفعه فيما رد به الباقي غير الحدث المرفوع، وهو لا يضر فإنه لا أثر له إذا رفع غيره، وهذا الفرق ظاهر. وقال شيخي: المعتمد كلام البغوي، لأن النافي فيه كالمتلاعب، لأن الحدث إذا ارتفع كان له أن يصلي به هذه وغيرها فصار كمن قال: أصلي به ولا أصلي به اه‍. وعلى الأول دائم الحدث لا يستبيح المنفي بدل المعين وما لو يمكنه فعله، كأن نوى صلاة العيد بوضوء في رجب. وقيل: لا يصح لتلاعبه. فإن قيل: لو عبر بالوضوء بدل طهر لكان أولى، لأن القراءة والمكث في المسجد مفتقران إلى طهر، وهو الغسل، مع أنه لا يصح الوضوء بنيتهما. أجيب بأن مراده ما قدرته تبعا للشارح، وبأن ذلك خرج بقوله استباحة لأن نية استباحتهما تحصيل للحاصل، وبأن ذلك علم من قوله بعد: أو ما يندب له وضوء. وشرط نية استباحة الصلاة قصد فعلها بتلك الطهارة، فلو لم يقصد فعل الصلاة، أي أو نحوها، بوضوئه، قال في المجموع: فهو متلاعب لا يصار إليه. (أو أداء فرض الوضوء) أو فرض الوضوء وإن كان المتوضئ صبيا، أو أداء الوضوء أو الوضوء فقط لتعرضه للمقصود، فلا يشترط التعرض للفرضية كما لا يشترط في الحج والعمرة وصوم رمضان. قال الرافعي: والأولى اعتبار كون النية في الوضوء للتمييز لا للقربة، وإلا لما اكتفى بنية أداء الوضوء لأن الصحيح اعتبار نية الفرضية في العبادات. قال: وإنما صح الوضوء بنية فرضه قبل الوقت مع أنه لا وضوء عليه بناء على قول الشيخ أبي حامد أن موجبه الحدث، أو يقال: ليس المراد هنا لزوم الاتيان به وإلا لامتنع وضوء الصبي بهذه النية، بل المراد فعل طهارة الحدث المشروط للصلاة، وشرط الشئ يسمى فرضا اه‍. وما تقرر من الاكتفاء بالأمور السابقة محله في الوضوء غير المجدد، أما المجدد فالقياس عدم الاكتفاء فيه بنية الرفع أو الاستباحة. قال الأسنوي: وقد يقال يكتفى بها كالصلاة المعادة، غير أن ذلك مشكل خارج عن القواعد فلا يقاس عليه. قال ابن العماد: وتخريجه على الصلاة المعادة ليس ببعيد، لأن قضية التجديد أن يعيد الشئ بصفته الأولى اه‍. والأول أولى كما اعتمده شيخي، لأن الصلاة اختلف فيها هل فرضه الأولى أو الثانية؟ ولم يقل أحد في الوضوء بذلك. وعلم مما مر أنه لا يشترط التعرض للأداء والفرضية وإن كان ظاهر كلامه خلافه، وإنما اكتفى بنية الوضوء فقط دون نية الغسل، لأن الوضوء لا يكون إلا عبادة، فلا يطلق على غيرها بخلاف الغسل فإنه يطلق على غسل الجنابة وغسل النجاسة وغيرهما. ولا تنحصر كيفية النية فيما تقدم، فإنه لو نوى الطهارة عن الحدث صح جزما، فإن لم يقل عن الحدث لم يصح على الصحيح كما في زوائد الروضة. وعلله في المجموع بأن الطهارة قد تكون عن حدث وقد تكون عن خبث فاعتبر التمييز. وقيل: تصح، وهو ظاهر كلام الرافعي. وقواه في المجموع بأن نية الطهارة لأعضاء الوضوء على الوجه الخاص لا تكون عن خبث، قال:
وهذا ظاهر نص البويطي، لكن حمله الأصحاب على إرادة نية الحدث، وكذا لو نوى فرض الطهارة لم يكف لما ذكر.
ولو نوى أداء فرض الطهارة صح كما صرح به جمع منهم سليم في التقريب، وكذا لو نوى الطهارة للصلاة أو غيرها مما يتوقف على الوضوء كما ذكره في التنبيه والمهذب، ووافقه عليه المصنف في شرحه. وفيه بحث، إذ يقال إن هذا كإطلاق الطهارة لترددها بين الأكبر والأصغر وإزالة النجاسة، فلا يصح ذلك إلا على القول الثاني. ويجاب بأن الطهارة لما أضيفت إلى الصلاة شملت رفع الحدث والخبث، فهي متضمنة لرفع الحدث، فصحت بخلاف فرض الطهارة أو الطهارة فإنها تصدق بإزالة النجاسة فقط فلم تكف دون الأول. (ومن دام حدثه كمستحاضة) ومن به سلس بول أو ريح، (كفاه نية الاستباحة) المتقدمة (دون) نية (الرفع) المار لبقاء حدثه (على الصحيح فيهما): وجه الاكتفاء فيه بنية الاستباحة القياس على التيمم بجامع بقاء الحدث. وأما عدم الاكتفاء بنية الرفع فلبقاء حدثه كما تقدم فإنه لا يرتفع على الصحيح، والثاني: يصح فيهما،
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532