لهذه الأشياء، فإذا نواها فقد نوى غاية القصد. وشمل إطلاقه ما لو نوى استباحة صلاة معينة كالظهر فإنه يصح لها ولغيرها، وإن نفاه على الأصح كأن نوى استباحة الظهر ونفى غيرها، لأن الحدث لا يتجزأ كما مر، والتعرض لما عينه غير واجب فيلغو ذكره. ونقل الزركشي عن فتاوى البغوي أنه لو نوى رفع حدثه في حق صلاة واحدة لا في حق غيرها لم يصح وضوؤه قولا واحدا، لأن ارتفاع حدثه لا يتجزأ، فإذا بقي بعضه بقي كله اه. ورد هذا شيخنا بما تقدم. وفرق ابن شهبة بأن في مسألة البغوي نفي بعض حدثه الذي رفعه فيما رد به الباقي غير الحدث المرفوع، وهو لا يضر فإنه لا أثر له إذا رفع غيره، وهذا الفرق ظاهر. وقال شيخي: المعتمد كلام البغوي، لأن النافي فيه كالمتلاعب، لأن الحدث إذا ارتفع كان له أن يصلي به هذه وغيرها فصار كمن قال: أصلي به ولا أصلي به اه. وعلى الأول دائم الحدث لا يستبيح المنفي بدل المعين وما لو يمكنه فعله، كأن نوى صلاة العيد بوضوء في رجب. وقيل: لا يصح لتلاعبه. فإن قيل: لو عبر بالوضوء بدل طهر لكان أولى، لأن القراءة والمكث في المسجد مفتقران إلى طهر، وهو الغسل، مع أنه لا يصح الوضوء بنيتهما. أجيب بأن مراده ما قدرته تبعا للشارح، وبأن ذلك خرج بقوله استباحة لأن نية استباحتهما تحصيل للحاصل، وبأن ذلك علم من قوله بعد: أو ما يندب له وضوء. وشرط نية استباحة الصلاة قصد فعلها بتلك الطهارة، فلو لم يقصد فعل الصلاة، أي أو نحوها، بوضوئه، قال في المجموع: فهو متلاعب لا يصار إليه. (أو أداء فرض الوضوء) أو فرض الوضوء وإن كان المتوضئ صبيا، أو أداء الوضوء أو الوضوء فقط لتعرضه للمقصود، فلا يشترط التعرض للفرضية كما لا يشترط في الحج والعمرة وصوم رمضان. قال الرافعي: والأولى اعتبار كون النية في الوضوء للتمييز لا للقربة، وإلا لما اكتفى بنية أداء الوضوء لأن الصحيح اعتبار نية الفرضية في العبادات. قال: وإنما صح الوضوء بنية فرضه قبل الوقت مع أنه لا وضوء عليه بناء على قول الشيخ أبي حامد أن موجبه الحدث، أو يقال: ليس المراد هنا لزوم الاتيان به وإلا لامتنع وضوء الصبي بهذه النية، بل المراد فعل طهارة الحدث المشروط للصلاة، وشرط الشئ يسمى فرضا اه. وما تقرر من الاكتفاء بالأمور السابقة محله في الوضوء غير المجدد، أما المجدد فالقياس عدم الاكتفاء فيه بنية الرفع أو الاستباحة. قال الأسنوي: وقد يقال يكتفى بها كالصلاة المعادة، غير أن ذلك مشكل خارج عن القواعد فلا يقاس عليه. قال ابن العماد: وتخريجه على الصلاة المعادة ليس ببعيد، لأن قضية التجديد أن يعيد الشئ بصفته الأولى اه. والأول أولى كما اعتمده شيخي، لأن الصلاة اختلف فيها هل فرضه الأولى أو الثانية؟ ولم يقل أحد في الوضوء بذلك. وعلم مما مر أنه لا يشترط التعرض للأداء والفرضية وإن كان ظاهر كلامه خلافه، وإنما اكتفى بنية الوضوء فقط دون نية الغسل، لأن الوضوء لا يكون إلا عبادة، فلا يطلق على غيرها بخلاف الغسل فإنه يطلق على غسل الجنابة وغسل النجاسة وغيرهما. ولا تنحصر كيفية النية فيما تقدم، فإنه لو نوى الطهارة عن الحدث صح جزما، فإن لم يقل عن الحدث لم يصح على الصحيح كما في زوائد الروضة. وعلله في المجموع بأن الطهارة قد تكون عن حدث وقد تكون عن خبث فاعتبر التمييز. وقيل: تصح، وهو ظاهر كلام الرافعي. وقواه في المجموع بأن نية الطهارة لأعضاء الوضوء على الوجه الخاص لا تكون عن خبث، قال:
وهذا ظاهر نص البويطي، لكن حمله الأصحاب على إرادة نية الحدث، وكذا لو نوى فرض الطهارة لم يكف لما ذكر.
ولو نوى أداء فرض الطهارة صح كما صرح به جمع منهم سليم في التقريب، وكذا لو نوى الطهارة للصلاة أو غيرها مما يتوقف على الوضوء كما ذكره في التنبيه والمهذب، ووافقه عليه المصنف في شرحه. وفيه بحث، إذ يقال إن هذا كإطلاق الطهارة لترددها بين الأكبر والأصغر وإزالة النجاسة، فلا يصح ذلك إلا على القول الثاني. ويجاب بأن الطهارة لما أضيفت إلى الصلاة شملت رفع الحدث والخبث، فهي متضمنة لرفع الحدث، فصحت بخلاف فرض الطهارة أو الطهارة فإنها تصدق بإزالة النجاسة فقط فلم تكف دون الأول. (ومن دام حدثه كمستحاضة) ومن به سلس بول أو ريح، (كفاه نية الاستباحة) المتقدمة (دون) نية (الرفع) المار لبقاء حدثه (على الصحيح فيهما): وجه الاكتفاء فيه بنية الاستباحة القياس على التيمم بجامع بقاء الحدث. وأما عدم الاكتفاء بنية الرفع فلبقاء حدثه كما تقدم فإنه لا يرتفع على الصحيح، والثاني: يصح فيهما،