ماء الوضوء. وإنما لم يجبا لما مر في البسملة. وأما خبر: تمضمضوا واستنشقوا فضعيف. وعلم بما قدرته وبما سيشير إليه بعد ذلك بقوله: ثم الأصح إلخ إن الترتيب مستحق لا مستحب، عكس تقدم اليمنى على اليسرى. وفرق الروياني بأن اليدين مثلا عضوان متفقان اسما وصورة، بخلاف الفم والأنف، فوجب الترتيب بينهما كاليد والوجه، فلو أتى بالاستنشاق مع المضمضة حسبت دونه، أو أتى به فقط حسب له دونها، أو قدمه عليها فقضية كلام المجموع أن المؤخر يحسب. قال بعضهم:
وهو الوجه كنظائره في الصلاة والوضوء. وقال في الروضة: لو قدم المضمضة والاستنشاق على غسل الكف لم يحسب الكف على الأصح. قال الأسنوي: وصوابه ليوافق ما في المجموع لم يحسب المضمضة والاستنشاق على الأصح. والمعتمد كما قاله شيخي ما في الروضة. قال: لقولهم في الصلاة: الثالث عشر ترتيب الأركان، خرج السنن فيحسب منها ما أوقعه أولا فكأنه ترك غيره فلا يعتد بفعله بعد ذلك، كما لو تعوذ ثم أتى بدعاء الافتتاح. ومن فوائد غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق أولا: معرفة أوصاف الماء، وهي: اللون والطعم والرائحة هل تغيرت أو لا، ويسن أخذ الماء باليد اليمنى.
(والأظهر أن فصلهما أفضل) من جمعهما الآتي، لما رواه أبو داود: أنه (ص) فصل بينهما. (ثم الأصح) على هذا الأفضل، (يتمضمض بغرفة ثلاثا ثم يستنشق بأخرى ثلاثا) حتى لا ينتقل من عضو إلى عضو إلا بعد كمال ما قبله، فذلك أفضل من الفصل بست غرفات. والثاني: أن الست غرفات أفضل بأن يتمضمض بثلاث ثم يستنشق بثلاث، وهذه أنظف الكيفيات وأضعفها. وقدم الفم على الانف لشرفه فإنه مدخل الطعام والشراب اللذين بهما قوام البدن وهو محل الأذكار الواجبة والمندوبة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك. (ويبالغ فيهما غير الصائم) لقوله (ص) في رواية صحح ابن القطان إسنادها: إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق ما لم تكن صائما، ولحديث لقيط بن صبرة: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما صححه الترمذي وغيره.
والمبالغة في المضمضة أن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثات، ويسن إمرار أصبع يده اليسرى على ذلك، وفي الاستنشاق أن يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم، ويسن إدارة الماء في الفم ومجه، وكذا الاستنثار، وللامر به في خبر الصحيحين، وهو أن يخرج بعد الاستنشاق ما في أنفه من ماء وأذى بخنصر يده اليسرى. وإذ بالغ في الاستنشاق فلا يستقصي فيصير سعوطا لا استنشاقا، قاله في المجموع: وأما الصائم فلا يسن له المبالغة، بل تكره لخوف الافطار كما في المجموع. وقال الماوردي والصيمري: يبالغ في المضمضة دون الاستنشاق، لأن المتمضمض متمكن من رد الماء عن وصوله إلى جوفه بطبق حلقه، ولا يمكن دفعه بالخيشوم. فإن قيل: لم لم يحرم ذلك كما قالوا بتحريم القبلة إذا خشي الانزال، مع أن العلة في كل منهما خوف الفساد، ولذا سوى القاضي أبو الطيب بينهما فجزم بتحريم المبالغة أيضا؟ أجيب بأن القبلة غير مطلوبة بل داعية لما يضاد الصوم من الانزال، بخلاف المبالغة فيما ذكر، وبأنه هنا يمكنه إطباق الحلق ومج الماء، وهناك لا يمكنه رد المني إذا خرج لأنه ماء دافق، وبأنه ربما كان في القبلة إفساد لعبادة اثنين. (قلت الأظهر تفضيل الجمع) بين المضمضة والاستنشاق على الفصل بينهما، لصحة الأحاديث الصريحة في ذلك. ولم يثبت في الفصل شئ كما قاله ابن الصلاح والمصنف في المجموع. وأما حديث أبي داود والمتقدم ففي إسناده ليث بن أبي سليم وقد ضعفه الجمهور، وعلى تقدير صحته يحمل على بيان الجواز جمعا بين الأحاديث. و (بثلاث غرف يتمضمض من كل ثم يستنشق) أفضل من الجمع بغرفة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا أو يتمضمض منها ثم يستنشق مرة كذلك ثانية وثالثة.
(والله أعلم) للأخبار الصحيحة في ذلك. الثاني: الأفضل أن يتمضمض منها ثم يستنشق منها ثم يفعل منها كذلك ثانيا وثالثا، واستحسنه في الشرح الصغير، والسنة تتأدى بواحدة من هذه الكيفيات لما علم أن الخلاف في الأفضل منها، ولو قال: وبثلاث بالواو كما قدرته لأفاد ما صححه في المجموع من أن الجمع مطلقا أفضل من الفضل كذلك.