من أفطر) فيما وجب عليه من رمضان، أو نذر نذره حال قدرته أو قضاه كما صرح به الرافعي في المحرر. (لكبر) لكونه شيخا هو ما تلحقه به مشقة لقوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * فإن كلمة لا مقدرة: أي لا يطيقونه، أو أن المراد يطيقونه حال الشباب ثم يعجزون عنه بعد الكبر. وروى البخاري أن ابن عباس وعائشة كانا يقرءان وعلى الذين يطوقونه بتشديد الواو مفتوحة، ومعناه يكلفون الصوم فلا يطيقونه. وقيل: لا تقدير في الآية، بل كانوا مخيرين في أول الاسلام بين الصوم والفدية فنسخ ذلك، فيجب على كل يوم مد، والثاني: المنع، لأنه أفطر لأجل نفسه لعذر فأشبه المسافر والمريض إذا ماتا قبل انقضاء السفر والمرض. وفرق الأول بأن الشيخ لا يتوقع زوال عذره بخلافهما. وفي معنى الكبير المريض الذي لا يرجى برؤه، فلو عبر بقوله بعذر لا يرجى زواله لكان أولى، ولو كان يمكنه الصوم في وقت آخر لبرودته أو قصر أيامه فهو كالذي يرجى برؤه، ذكره القاضي أبو الطيب. وقضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في وجوب الفدية بين الغني والفقير، وفائدته استقرارها في ذمة الفقير، وهو الأصح على ما يقتضيه كلام الروضة وأصلها، وجرى عليه ابن المقري، وقول المجموع: ينبغي أن يكون الأصح هنا عكسه كالفطرة لأنه عاجز حال التكليف بالفدية وليس في مقابلة جناية ونحوها، تبع فيه القاضي. وهو مردود بأن حق الله تعالى المالي إذا عجز عنه العبد وقت الوجوب يثبت في ذمته وإن لم يكن على وجه البدل إذا كان بسبب منه، وهو هنا كذلك، إذ سببه فطره بخلاف زكاة الفطر. وهل الفدية في حق من ذكر بدل عن الصوم أو واجبة ابتداء؟ وجهان في أصل الروضة، أصحهما في المجموع الثاني، ويظهر أثرهما فيما لو قدر بعد على الصوم وفي انعقاد نذره له، فإذا نذر من عجز لهرم أو نحوه صوما لم يصح نذره لأنه لم يخاطب بالصوم ابتداء بل بالفدية، ولو قدر من ذكر على الصوم بعد الفطر لم يلزمه الصوم قضاء لذلك، وبه فارق نظيره في الحج عن المغصوب إذا قدر عليه، ومن اشتدت مشقة الصوم عليه فهو كمن ذكر، فلو تكلف وصام فقياس ما صححوه عدم الاكتفاء، لكن الأصح لا فدية كما قاله في الكفاية عن البندنيجي.
(وأما الحامل والمرضع) فيجوز لهما الافطار إذا خافتا على أنفسهما أو على الولد، سواء أكان الولد ولد المرضعة أم لا، فتعبيره بالولد أولى من تعبير التنبيه بولديهما. وسواء أكانت مستأجرة أم لا. ويجب الافطار إن خافت هلاك الولد.
وكذا يجب المستأجرة كما صححه في الروضة لتمام العقد وإن لم تخف هلاك الولد وأما القضاء والفدية (فإن أفطرتا خوفا) من حصول ضرر بالصوم، كالضرر الحاصل للمريض. (على نفسهما) والأولى أنفسهما ولو مع الولد، (وجب القضاء بلا فدية) كالمريض. فإن قيل: إذا خافتا على أنفسهما مع ولديهما فهو فطر ارتفق به شخصان، فكان ينبغي الفدية قياسا على ما سيأتي. أجيب بأن الآية وردت في عدم الفدية فيما إذا أفطرتا خوفا على أنفسهما، فلا فرق بين أن يكون الخوف مع غيرهما أولا، وهي قوله تعالى: * (ومن كان مريضا) * إلى آخرها. (أو) خافا (على الولد) وحده، بأن تخاف الحامل إسقاطه، أو المرضع بأن يقل اللبن فيهلك الولد، (لزمتهما) من مالهما مع القضاء (الفدية في الأظهر) وإن كانتا مسافرتين أو مريضتين، لما روى أبو داود والبيهقي بإسناد حسن عن ابن عباس في قوله تعالى:
* (وعلى الذين يطيقونه فدية) * أنه نسخ حكمه إلا في حقهما حينئذ، والناسخ له قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * والقول بنسخه قول أكثر العلماء. وقال بعضهم: إنه محكم غير منسوخ، بتأويله بما مر في الاحتجاج به.
والثاني: لا تلزمهما كالمسافر والمريض، لأن فطرهما لعذر. والثالث: تجب على المرضع دون الحامل، لأن فطرها لمعنى فيها كالمريض. وعلى الأول تستثنى المتحيرة فلا فدية عليها للشك في أنها حائض أو لا، ذكره في زيادة الروضة والمجموع في باب الحيض. وهذا ظاهر فيما إذا أفطرت ستة عشر يوما فأقل، فإن زادت عليها وجبت الفدية عن الزائد، لأن الحيض لا يزيد على ذلك، نبه على ذلك شيخنا في شرح البهجة وأسقطه من شرح الروض. وفارق لزومها للمستأجرة عدم لزوم دم التمتع للأجير بأن الدم ثم من تتمة الحج الواجب على المستأجر، وهنا الفطر من تتمة إيصال المنافع اللازمة