للحاجة إليه ومشقة الاحتراز عنه، سواء أخضبتهما أم لا، بناء على أن علة تحريم القفازين عليهما ما مر آنفا. ويحرم على الخنثى المشكل ستر وجهه مع رأسه وتلزمه الفدية، وليس له ستر وجهه مع كشف رأسه خلافا لمقتضى كلام ابن المقري في روضه، ولا فدية عليه لأنا لا نوجبها بالشك. نعم لو أحرم بغير حضرة الأجانب جاز له كشف رأسه كما لو لم يكن محرما.
قال في المجموع: ويسن أن لا يستتر بالمخيط لجواز كونه رجلا ويمكنه ستره بغيره، هكذا ذكره جمهور الأصحاب. وقال القاضي أبو الطيب: لا خلاف أنا نأمره بالستر ولبس المخيط كما نأمره أن يستتر في صلاته كالمرأة. وفي أحكام الخناثى لابن المسلم ما حاصله أنه يجب عليه أن يستر رأسه وأن يكشف وجهه وأن يستر بدنه إلا بالمخيط فإنه يحرم عليه احتياطا. قال الأذرعي كالأسنوي وما قاله حسن اه. ولكنه مخالف لما تقدم عن المجموع. (الثاني) من المحرمات: (استعمال الطيب) للمحرم ذكرا كان أو غيره ولو أخشم بما يقصد منه رائحته غالبا ولو مع غيره كالمسك والعود والكافور والورس وهو أشهر طيب ببلاد اليمن، والزعفران وإن كان يطلب للصبغ والتداوي أيضا. (في) ملبوسه من (ثوبه) أو غيره كخف أو نعل، لقوله (ص) في الحديث المار: ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران والورس طيب. ولو قال المصنف في ملبوسه بدل ثوبه لكان أولى واستغنى عما قدرته. (أو) في (بدنه) قياسا على ثوبه بطريق الأولى ولو باطنا بأكل أو استعاط أو احتقان فيجب مع التحريم في ذلك الفدية، وبعض البدن ككله. وأدرج في الطيب ما معظم الغرض منه رائحته الطيبة كالورد والياسمين والبنفسج والريحان الفارسي، وما اشتمل على الطيب من الدهن كدهن الورد ودهن البنفسج، واستعماله أن يلصق الطيب ببدنه أو ملبوسه على الوجه المعتاد في ذلك بنفسه أو مأذونه، فلو احتوى على مبخرة أو حمل فأرة مشقوقة أو مفتوحة أو جلس أو نام على فراش أو أرض مطيبة أو شد في طرف ثوبه طيبا أو جعله في جيبه أو لبست المرأة الحلي المحشو به حرم ووجبت الفدية لأن ذلك تطييب، ولو وطئ بنعله طيبا حرم إن تعلق به منه شئ.
والتطيب بالورد أن يشمه مع اتصاله بأنفه كما صرح به ابن كج، والتطيب بمائه أن يمسه كالعادة بأن يصبه على بدنه أو ملبوسه فلا يكفي شمه. ولو حمل مسكا ونحوه في خرقة مشدودة أو فأرة غير مشقوقة لم يضر، وإن شم الريح لوجود الحائر.
ولو استهلك الطيب في المخالط له بأن لم يبق له ريح ولا طعم ولا لون كأن استعمل في دواء جاز استعماله وأكله ولا فدية، وإن بقي الريح فيما استهلك ظاهرا أو خفيا يظهر برش الماء عليه فدى، لأن الغرض الأعظم من الطيب الريح، وكذا لو بقي الطعم لدلالته على بقاء الطيب، لا إن بقي اللون فقط لأن الغرض منه الزينة. وما يقصد به الاكل أو التداوي وإن كان له ريح طيبة كالتفاح والأترج - بضم الهمزة والراء وتشديد الجيم على الأفصح، ويقال الاترنج - والقرنفل والدارصيني والسنبل وسائر الابازير الطيبة كالمصطكي، لم يحرم ولم تجب فيه فدية، لأنه إنما يقصد منه الاكل أو التداوي، وكذا ما ينبت بنفسه كالشيح والإذخر والخزامي، لأنه لا يعد طيبا. ولا فدية بالعصفر والحناء وإن كان لهما رائحة طيبة، لأنه إنما يقصد منه لونه.
ولو مس طيبا يابسا كمسك وكافور فلزق به ريحه لا عينه أو حمل للعود أو أكله لم يحرم. ويعتبر مع ما ذكر العقل إلا السكران، والاختيار والعلم بالتحريم والاحرام، وبأن الملموس طيب يعلق، فلا فدية على المطيب الناسي للاحرام ولا المكره ولا الجاهل بالتحريم، أو بكون الملموس طيبا أو رطبا لعذره بخلاف الجاهل بوجوب الفدية فقط دون التحريم فعليه الفدية، لأنه إذا علم التحريم كان من حقه الامتناع، فإن علم التحريم بعد لبسه جاهلا به وأخر إزالته مع إمكانها فدى وأثم، ولو طيبه غيره بغير إذنه أو ألقت الريح عليه طيبا فلا فدية عليه بل على من طيبه لكن تلزمه المبادرة إلى الإزالة عند زوال عذره. (ودهن شعر الرأس) له (أو اللحية) ولو من امرأة كما قاله القاضي بدهن ولو غير مطيب كزيت وشمع مذاب، لما فيه من التزيين المنافي لحال المحرم فإنه أشعث أغبر كما ورد في الخبر. وعبارة ابن المقري: فيحرم، أي الدهن، في شعر الرأس واللحية. فيؤخذ منه أنه لا فرق في الشعر بين الكثير والقليل ولو واحدة، وهو الظاهر من كلامهم. ولو كان شعر الرأس أو اللحية محلوقا لما فيه من تزيين الشعر وتنميته بخلاف رأس الأقرع والأصلع وذقن الأمرد، لانتفاء المعنى. فإن قيل: يشكل هذا بحرمة الطيب على الأخشم كما مر. أجيب بأن المعنى هنا منتف بالكلية بخلافه، ثم فإن المعنى فيه الترفه بالطيب وهو حاصل بالتطيب