حاجة الثاني فهو أولى.
تنبيه: يؤخذ من كلامه أنه لا يجوز له أكل شئ منه، وبه صرح الرافعي في كتاب الأضحية، وأنه لا فرق بين أن يفرق المذبوح عليهم أو يعطيه بجملته لهم، وبه صرح الرافعي أيضا في الكلام على تحريم الصيد. ويكفي دفعه إلى ثلاثة من الفقراء أو المساكين سواء انحصروا أم لا، لأن الثلاثة أقل الجمع، فلو دفع إلى اثنين مع قدرته على ثالث ضمن له أقل متمول كنظيره من الزكاة. فإن قيل: ينبغي أن يجب استيعابهم إذا انحصروا كما في الزكاة. أجيب بأن المقصود هنا حرمة البلد وهناك سد الخلة، وتجب النية عند التفرقة كما قاله الروياني وغيره أو متقدمة عليها كما في الزكاة. وظاهر كلامه أن هذا الحكم كله في الدم الواجب بفعل حرام أو ترك واجب، وليس مرادا بل دم التمتع والقران كذلك. وأما دم الاحصار فسيأتي. ودفع الطعام لمساكين الحرم لا يتعين لكل منهم مد في دم التمتع ونحوه مما ليس دمه دم تخيير وتقدير.
أما دم الاستمتاعات ونحوها مما دمه دم تخيير وتقدير، فلكل واحد من ستة مساكين نصف صاع من ثلاثة آصع كما مر.
ولو ذبح الدم الواجب بالحرم فسرق منه أو غصب قبل التفرقة لم يجزه. ثم هو مخير بين أن يذبح آخر وهو أولى أو يشتري بدله لحما ويتصدق به لأن الذبح قد وجد. فإن قيل: ينبغي تقييد ذلك بما إذا قصر في تأخير التفرقة، والا فلا يضمن كما لو سرق المال المتعلق به الزكاة. أجيب بان الدم متعلق بالذمة والزكاة بعين المال، ولو عدم المساكين في الحرم أخر الواجب المالي حتى يجدهم، ولا يجوز النقل. فإن قيل: ينبغي أن يجوز النقل كالزكاة. أجيب بأنها ليس فيها نص صريح بتخصيص البلد بها بخلاف هذا. (وأفضل بقعة) من الحرم (لذبح المعتمر) الذي ليس متمتعا ولا قارنا ولو مفردا (المروة) لأنها موضع تحلله، (ول) - ذبح (الحاج) ولو قارنا أو مريدا إفرادا أو متمتعا ولو عن دم تمتعه، (منى) لأنها محل تحلله. والأحسن كما قاله بعض شراح الكتاب في بقعة ضبطها بفتح القاف وكسر العين على لفظ الجمع المضاف لضمير الحرم. (وكذا حكم ما ساقاه) أي المعتمر والحاج (من هدي) نذر أو نفل، (مكانا) في الاختصاص والأفضلية. (ووقته) أي ذبح هذا الهدي (وقت الأضحية على الصحيح، والله أعلم) قياسا عليها، والثاني: لا يختص بوقت كدماء الجبرانات. وعلى الأول لو أخر الذبح حتى مضت أيام التشريق نظر إن كان واجبا وجب ذبحه قضاء، وإن كان تطوعا فقد فات، هذا إذا لم يعين غير هذه الأيام، فإن عين لهدي التقرب غير وقت الأضحية لم يتعين له وقت لأنه ليس في تعيين اليوم قربة، نقله الأسنوي عن المتولي وغيره. والهدي كما يطلق على ما يسوقه المحرم يطلق أيضا على ما يلزمه من دم الجبرانات، وهذا الثاني لا يختص بوقت الأضحية كما سبق. وظاهر كلام المصنف كالروضة أن ما يسوقه المعتمر يختص أيضا بوقت الأضحية على الصحيح، وهو كذلك وإن نازع فيه الأسنوي.
خاتمة: حيث أطلق في المناسك الدم، فالمراد به كدم الأضحية فتجزئ البدنة أو البقرة عن سبعة دماء وإن اختلفت أسبابها، فلو ذبحها عن دم وجب فالفرض سبعها فله إخراجه عنه وأكل الباقي إلا في جزاء الصيد المثلي لها فلا يشترط كونه كالأضحية، فيجب في الصغير صغير، وفي الكبير كبير، وفي المعيب معيب، كما مر، بل لا يجزئ البدنة عن شاته.
وحاصل الدماء ترجع باعتبار حكمها إلى أربعة أقسام: دم ترتيب وتقدير، ودم ترتيب وتعديل، ودم تخيير وتقدير، ودم تخيير وتعديل. القسم الأول يشتمل على دم التمتع والقران والفوات والمنوط بترك مأمور وهو ترك الاحرام من الميقات والرمي والمبيت بمزدلفة ومنى وطواف الوداع، فهذه الدماء دماء ترتيب بمعنى أنه يلزمه الذبح ولا يجوز العدول إلى غيره إلا إذا عجز عنه، وتقدير بمعنى أن الشرع قدر ما يعدل إليه بما لا يزيد ولا ينقص. والقسم الثاني: يشتمل على دم الجماع، فهو دم ترتيب وتعديل بمعنى أن الشرع أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة، فيجب فيه بدنة ثم بقرة ثم سبع شياه، فإن عجز قوم البدنة بدراهم والدراهم طعاما وتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يوما، ويكمل المنكسر كما مر، وعلى دم الاحصار فعليه شاة ثم طعام بالتعديل، فإن عجز عن الطعام صام عن كل مد يوما،