على الترتيب السابق، فيبدأ بالحمد ثم بالصلاة ثم بالوصية كما جرى عليه الناس. وكذا أيضا صححه في الشرح الصغير ولم يصحح في الكبير شيئا، وسيأتي تصحيح المصنف عدم اشتراط ذلك. ولا ترتيب بين القراءة والدعاء ولا بينهما وبين غيرهما، وقيل: يشترط ذلك فيأتي بعد الوصية بالقراءة ثم الدعاء، حكاه في المجموع. (و) الشرط الثاني: كونها (بعد الزوال) للاتباع، رواه البخاري عن السائب بن يزيد قال: كان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الامام على المنبر في عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وفي البخاري عن أنس: أن النبي (ص) كان يصلي الجمعة بعد الزوال، وروي أنه (ص) كان يخطب بعد الزوال. قال في المجموع في باب هيئة الجمعة: ومعلوم أنه (ص) كان يخرج إلى الجمعة متصلا بالزوال، وكذا جميع الأئمة في جميع الأمصار، ولو جاز تقديمها لقدمها النبي (ص) تخفيفا على المبكرين وإيقاعا لها في أول الوقت. (و) الشرط الثالث: (القيام فيهما إن قدر) للاتباع، رواه مسلم، فإن عجز عنه خطب قاعدا ثم مضطجعا كالصلاة، ويصح الاقتداء به وإن لم يقل لا أستطيع لأن الظاهر أنه إنما فعل ذلك لعجزه، والأولى له أن (و) الشرط يستنيب فإن بان أنه كان قادرا فكإمام بان محدثا وتقدم حكمه الرابع: (الجلوس بينهما) للاتباع، رواه مسلم، ولا بد من الطمأنينة فيه كما في الجلوس بين السجدتين، فلو خطب جالسا لعجزه وجب الفصل بينهما بسكتة، ولا يكفي الاضطجاع. فإن قيل:
ما الحكمة في جعل القيام والجلوس هنا شرطين وفي الصلاة ركنين؟ أجيب بأن الخطبة ليست إلا الذكر والوعظ، ولا ريب أن القيام والجلوس ليسا بجزئين منهما بخلاف الصلاة فإنها جملة أعمال وهي كما تكون أذكارا تكون غير أذكار.
(و) الخامس: (إسماع أربعين كاملين) أي أن يرفع صوته بأركانها بحيث يسمعها عدد من تنعقد بهم الجمعة لأن مقصودها وعظهم وهو لا يحصل إلا بذلك، فعلم أنه يشترط الاسماع والسماع وإن لم يفهموا معناها كما مر، كالعامي يقرأ الفاتحة في الصلاة ولا يفهم معناها فلا يكفي الاسرار كالاذان. ولا إسماع دون من تنعقد بهم الجمعة، فقوله كغيره أربعين، أي بالامام، فلو كانوا صما أو بعضهم لم تصح كبعدهم. وقضية كلامهم أنه يشترط في الخطيب إذا كان من الأربعين أن يسمع نفسه حتى لو كان أصم لم يكف، وهو كما قال الأسنوي بعيد، بل لا معنى له لأن الشخص يعرف ما يقول وإن لم يسمعه ولا معنى لامره بالانصات لنفسه. ولا يشترط أن يعرف الخطيب معنى أركان الخطبة خلافا للزركشي كمن يؤم القوم ولا يعرف معنى الفاتحة.
(والجديد أنه لا يحرم عليهم الكلام) فيها، للأخبار الدالة على جوازه كخبر الصحيحين عن أنس: بينما النبي (ص) يخطب يوم الجمعة، فقام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا فرفع يديه ودعا. وجه الدلالة أنه لم ينكر عليه الكلام ولم يبين له وجوب السكوت، ولا يختص بالأربعين بل الحاضرون كلهم فيهم سواء. (ويسن) للقوم السامعين وغيرهم أن يقبلوا عليه بوجوههم لأنه الأدب، ولما فيه من توجيههم القبلة، و (الانصات) له، قال تعالى:
* (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * ذكر كثير من المفسرين أنه ورد في الخطبة، وسميت قرآنا لاشتمالها عليه. ويكره للحاضرين الكلام فيها لظاهر هذه الآية، وخبر مسلم: إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والامام يخطب فقد لغوت والقديم يحرم الكلام فيها ويجب الانصات، واستدل لذلك بالآية المتقدمة. وأجاب الأول بأن الامر في الآية للندب جمعا بين الدليلين ولا يحرم الكلام على الخطيب قطعا، والخلاف في كلام لا يتعلق به غرض مهم ناجز فأما إذا رأى أعمى يقع في بئر أو عقربا تدب على إنسان فأنذره أو علم إنسانا شيئا من الخير أو نهاه عن منكر، فهذا ليس بحرام قطعا بل قد يجب عليه، لكن يستحب أن يقتصر على الإشارة إن أغنت. ولا يكره الكلام قبل الخطبة ولا بعدها ولا بين الخطبتين ولا للداخل ما لم يأخذ له مكانا ويستقر فيه، ولو سلم داخل على مستمع للخطبة والخطيب يخطب وجب عليه الرد بناء على أن الانصات سنة كما مر مع أن السلام في هذه الحالة مكروه كما صرح به في المجموع وغيره، فكيف يجب الرد والسلام غير مشروع وقد صحح الرافعي في الشرح الصغير عدم الوجوب، وقال الجرجاني: إن قلنا يكره الكلام