فكان اعتباره أولى من اعتبار ما قبله. (وقيل) السبق (بأول الخطبة) بناء على أن الخطبتين بدل عن ركعتين، ولو دخلت طائفة في الجمعة فأخبروهم بأن طائفة سبقتهم أتموها ظهرا، كما لو خرج الوقت وهم فيها واستأنفوا الظهر وهو أفضل ليصح ظهرهم بالاتفاق. (فلو وقعتا معا أو شك) في المعية، فلم يدر أوقعتا معا أو مرتبا، (استؤنفت الجمعة) إن اتسع الوقت لتدافعهما في المعية، فليست إحداهما أولى من الأخرى، ولان الأصل في صورة الشك عدم جمعة مجزئة لاحتمال المعية. قال الامام: وحكم الأئمة بأنهم إذا أعادوا الجمعة برئت ذمتهم مشكل لاحتمال تقدم إحداهما فلا تصح أخرى، فاليقين أن يقيموا جمعة ثم ظهرا. قال في المجموع: وما قاله مستحب وإلا فالجمعة كافية في البراءة كما قالوه، لأن الأصل عدم وقوع جمعة مجزئة في حق كل طائفة. قال غيره: ولان السبق إذا لم يعلم أو يظن لم يؤثر احتماله لأن النظر إلى علم المكلف أو ظنه لا إلى نفس الامر. (وإن سبقت إحداهما ولم تتعين) كأن سمع مريضان أو مسافران خارج المسجد تكبيرتين متلاحقتين وجهلا المتقدم فأخبراهم بالحال، والعدل الواحد كاف في ذلك ما استظهره شيخنا. (أو تعينت ونسيت) بعده (صلوا ظهرا) لأنا تيقنا وقوع جمعة صحيحة في نفس الامر، ولا يمكن إقامة جمعة بعدها والطائفة التي صحت لها الجمعة غير معلومة، والأصل بقاء الفرض في حق كل طائفة، فوجب عليهما الظهر. (وفي قول جمعة) لأن المفعولتين غير مجزئتين، لأن الالتباس يجعل الصحيحة كالعدم فصار وجودهما كعدمهما. وفي الروضة وأصلها ترجيح طريقة قاطعة في الثانية بالأول. وقال المزني: لا يجب عليهما شئ بالكلية، كما لو سمع من أحد الشخصين حدث ولم يتعين.
فائدة: الجمع المحتاج إليها مع الزائد عليها كالجمعتين المحتاج إلى إحداهما، ففي ذلك التفصيل المذكور فيهما كما أفتى به البرهان ابن أبي شريف. (الرابع) من الشروط: (الجماعة) بإجماع من يعتد به في الاجماع فلا تصح بالعدد فرادى، إذ لم ينقل فعلها كذلك، والجماعة شرط في الركعة الأولى فقط، بخلاف العدد فإنه شرط في جميعها كما سيأتي ، فلو صلى الامام ركعة بأربعين ثم أحدث فأتم كل منهم لنفسه أجزأتهم الجمعة. (وشرطها كغيرها) من نية الاقتداء، والعلم بانتقالات الامام وغير ذلك مما مر في باب الجماعة إلا في نية الإمامة فتجب هنا على الأصح لتحصل له الجماعة.
(وأن تقام بأربعين) منهم الامام لما روى البيهقي عن ابن مسعود أنه (ص) جمع بالمدينة وكانوا أربعين رجلا. قال في المجموع: قال أصحابنا: وجه الدلالة أن الأمة أجمعوا على اشتراط العدد، والأصل الظهر، فلا تجب الجمعة إلا بعدد ثبت فيه توقيف، وقد ثبت جوازها بأربعين، وثبت: صلوا كما رأيتموني أصلي ولم تثبت صلاته لها بأقل من ذلك فلا تجوز بأقل منه ولا بأربعين وفيهم أمي قصر في التعلم لارتباط صحة صلاة بعضهم ببعض، فصار كاقتداء القارئ بالامي كما نقله الأذرعي عن فتاوى البغوي. وشرط كل واحد منهم أن يكون مسلما (مكلفا) أي بالغا عاقلا (حرا) كلا (ذكرا) لأن أضدادهم لا تجب عليهم لنقصهم، بخلاف المريض فإنها إنما لم تجب عليه رفقا به لا لنقصه. (مستوطنا) بمحلها، (لا يظعن) منه (شتاء ولا صيفا إلا لحاجة) كتجارة وزيارة فلا تنعقد بالكفار ولا بالنساء والخناثى، وغير المكلفين ومن فيهم رق لنقصهم ولا بغير المستوطنين، كمن أقام على عزم عوده إلى وطنه بعد مدة ولو طويلة كالمتفقه والتجار لعدم التوطن، ولا بالمتوطنين خارج محل الجمعة وإن سمعوا النداء لعدم الإقامة بمحلها. وهل يشترط تقدم إحرام من تنعقد بهم الجمعة لتصح لغيرهم لأنه تبع أو لا؟ اشترط البغوي ذلك ونقله في الكفاية عن القاضي، والراجح صحة تقدم إحرامهم كما اقتضاه إطلاق كلام الأصحاب ورجحه جماعة من المتأخرين ك البلقيني والزركشي، بل صوبه وأفتى به شيخي. قال البلقيني: ولعل ما قاله القاضي، أي ومن تبعه من عدم الصحة مبني على الوجه الذي قال إنه القياس،