مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٢٤
ولو كانت مما يسيل دمها لكن لا دم فيها أو فيها دم لا يسيل لصغرها، فلها حكم ما يسيل دمها، قاله القاضي أبو الطيب.
والثاني تنجسه، قال في التنبيه: وهو القياس كسائر الميتات النجسة. ومحل الخلاف إذا لم تنشأ فيه فإن نشأت فيه وماتت كالعلق ودود الخل لم تنجسه جزما، فإن غيرته الميتة لكثرتها أو طرحت فيه بعد موتها قصدا تنجس جزما، كما جزم به في الشرح والحاوي الصغيرين. ومفهوم قولهما: بعد موتهما قصدا أنه لو طرحها شخص بلا قصد، أو قصد طرحها على مكان آخر فوقعت في المائع، أو أخذ الميتة ليخرجها فوقعت فيه بعد رفعها من غير قصد إلى رميها فيه من غير تقصير بل قصد إخراجها فوقعت فيه بغير اختياره، أو طرحها من لا يميز، أو قصد طرحها فيه فوقعت فيه وهي حية فماتت فيه أنه لا يضر، وهو كذلك. ومن ذلك ما لو وضع خرقة على إناء وصفى بها هذا المائع الذي وقعت فيه هذه الميتة بأن صبه عليها، لأنه يضع المائع وفيه الميتة متصلة به، ثم يتصفى عنها المائع وتبقى هي منفردة عنه، لا أنه طرح الميتة في المائع كما قد يتوهم، فلو زال التغير من المائع أو من الماء القليل وهو باق على قلته لم يطهر كما أفاده شيخي، فإن بلغ الماء قلتين طهر. (وكذا في قول نجس لا يدركه طرف) أي لا يشاهد بالبصر لقلته لا لموافقة لون ما اتصل به، كنقطة بول وخرء وما تعلق بنحو رجل ذبابة عند الوقوع في النجاسات. (قلت ذا القول أظهر) من مقابله وهو التنجيس، (والله أعلم) لعسر الاحتراز عنه فأشبه دم البراغيث، ووجه مقابله القياس على سائر النجاسات وهو ما نقله في الشرحين عن المعظم. ومجموع ما في المسألة سبع طرق: إحداها وهو الأصح: قولان في الماء والثوب. والثانية: يؤثر فيهما قطعا، وهو رأي ابن سريج. والثالثة: لا يؤثر فيهما قطعا. والرابعة: يؤثر في الماء، وفي الثوب قولان. والخامسة: عكس ذلك. والسادسة: يؤثر في الماء دون الثوب قطعا. والسابعة: عكسه. وقضية ما ذكر في العفو أنه لا فرق بين أن يقع في محل واحد أو أكثر، وهو قوي، لكن قال الجيلي: صورته أن يقع في محل واحد وإلا فله حكم ما يدركه الطرف. قال ابن الرفعة: وفي كلام الإمام إشارة إليه. قال شيخنا: والأوجه تصويره باليسير عرفا، وهو حسن. قال الزركشي: وقياس استثناء دم الكلب من يسير الدم المعفو عنه أن يكون هذا مثله، وقد يفرق بينهما بالمشقة والفرق أوجه. وعطف المصنف هذا على ما مر يقتضي طرد الخلاف في الماء والمائع، وهو كذلك وإن كان كلام التنبيه يفهم تنجس المائع به جزما، ولذلك قلت في شرحه: وغير الماء في ذلك كالماء. ويعفى أيضا عن روث سمك لم يغير الماء، وعن اليسير عرفا من شعر نجس من غير نحو كلب، وعن كثيره من مركوب، وعن قليل دخان نجس وغبار سرجين ونحوه مما تحمله الريح كالذر، وعن حيوان متنجس المنفذ إذا وقع في المائع للمشقة في صونه، ولهذا لا يعفى عن آدمي مستجمر، قال المصنف في شرح المهذب: بلا خلاف. وعن الدم الباقي على اللحم والعظم فإنه يعفى عنه. ولو تنجس فم حيوان طاهر من هرة أو غيرها ثم غاب وأمكن وروده ماء كثيرا ثم ولغ في طاهر لم ينجسه مع حكمنا بنجاسة فمه، لأن الأصل نجاسته وطهارة الماء، وقد اعتضد أصل طهارة الماء باحتمال ولوغه في ماء كثير في الغيبة فرجح. قال في التوشيح: ولا يستثنى مسألة الهرة - أي ونحوها - وإن كان قد استثناها في أصل الروضة، لأن العفو لاحتمال أن يكون فمها طاهرا، إذ لو تحقق نجاسته لم يعف عنه بخلاف ما نحن فيه، فإن العفو فيه وارد على محقق النجاسة اه‍. وهو حسن. واستشكل في الشرح الصغير طهارة فم الهرة بما ذكر، لأنها تشرب بلسانها وتأخذ منه الشئ القليل ولا تلغ في الماء بحيث يطهر فمها من أكل الفأرة، أي مثلا فلا يفيد احتمال مطلق الولوغ احتمال عود فمها إلى الطهارة. وأجاب عنه البلقيني بأن فرض المسألة فيما إذا احتمل طهارة الفم، والاحتمال موجود بأن تكون وضعت جميع فمها في الماء أو نحو ذلك. وأجاب غيره بأن الذي لاقى الماء من فمها ولسانها يطهر بالملاقاة، وما لا يلاقيه يطهر بإجراء الماء عليه ولا يضر ناقلته لأنه وارد. (و) الماء ( الجاري) وهو ما اندفع في مستو أو منخفض، (كراكد) فيما مر من التفرقة بين القليل والكثير وفيما يستثنى لمفهوم حديث القلتين، فإنه لم يفصل بين الجاري والراكد، لكن العبرة في الجاري بالجرية نفسها لا مجموع الماء، وهي كما في المجموع: الدفعة بين حافتي النهر عرضا، والمراد بها ما يرتفع من الماء عند تموجه، أي تحقيقا أو تقديرا، فإن كبرت الجرية لم تنجس إلا بالتغير، وهي في نفسها منفصلة عما أمامها وما خلفها من الجريات حكما وإن اتصلت بهما حسا. إذ كل جرية طالبة لما أمامها هاربة عما خلفها.
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532