ولو شك في كونه قلتين ووقعت فيه نجاسة هل ينجس أو لا؟ المعتمد الثاني، بل قال المصنف في شرح المهذب:
الصواب أنه لا ينجس، إذ الأصل الطهارة وشككنا في نجاسة منجسة، ولا يلزم من حصول النجسة التنجيس. وصوب في المهمات أنه إن جمع شيئا فشيئا وشك في وصوله قلتين فالأصل القلة، وإن كان كثيرا وأخذ منه فالأصل بقاء الكثرة، وإن ورد نجس على ما يحتمل القلة والكثرة فهذا محل التردد. والصواب ما قاله المصنف، كما لو شك هل تقدم على الإمام أو تأخر؟ والتفصيل هناك ضعيف فكذا هنا. (فإن غيره) أي غير النجس الملاقى الماء القلتين ولو يسيرا حسا أو تقديرا، (فنجس) بالاجماع المخصص للخبر السابق. والخبر للترمذي وغيره: الماء لا ينجسه شئ كما خصه مفهوم خبر القلتين السابق، فالتغيير الحسي ظاهر، والتقديري بأن وقعت فيه نجاسة مائعة توافقه في الصفات كبول انقطعت رائحته، ولو فرض مخالفا له في أغلظ الصفات كلون الحبر وطعم الخل وريح المسك لغيره فإنه يحكم بنجاسته. واكتفى هنا بأدنى تغير واعتبر الأغلظ في الصفات بخلاف ما تقدم في التغير بالطاهر فيهما لغلظ النجاسة، ولو تغير بعض الماء فالمتغير كنجاسة جامدة لا يجب التباعد عنها بقلتين، والباقي إن قل فنجس وإلا فطاهر. فلو غرف دلوا من ماء قلتين فقط وفيه نجاسة جامدة لم تغيره ولم يغرفها مع الماء فباطن الدلو طاهر لانفصال ما فيه عن الباقي قبل أن ينقص عن قلتين لا ظاهرها لتنجسه بالباقي المتنجس بالنجاسة لقلته، فإن دخلت مع الماء أو قبله في الدلو انعكس الحكم. وتأنيث الدلو أفصح من تذكيره. (فإن زال تغيره) الحسي أو التقديري، (بنفسه) بأن لم يحدث فيه شئ كأن زال بطول المكث، (أو بماء) انضم إليه بفعل أو غيره ولو نجسا ولو أخذ منه كما قاله في المهذب، أي نقص والباقي قلتان. وصوره في شرحه بأن يكون الاناء مختنقا لا يدخله الريح، فإذا نقص دخلته وقصرته. (طهر) بفتح الهاء أفصح من ضمها. الزوال سبب التنجيس ولا يضر عود تغيره إن خلا عن نجس جامد، ويعرف زوال تغيره التقديري بأن يمضي عليه زمن لو كان تغيره حسيا لزال تغيره، وذلك بأن يكون بجنبه غدير فيه ماء متغير فزال تغيره بنفسه بعد مدة أو بماء صب عليه، فيعلم أن هذا أيضا زال تغيره. (أو) زال تغيره ظاهرا كأن زال ريحه (بمسك و) لونه بنحو (زعفران) وطعمه بنحو خل (فلا) يطهر، لأنا لا ندري أن أوصاف النجاسة زالت أو غلب عليها المطروح فسترها، وإذا كان كذلك فالأصل بقاؤها. فإن قيل: العلة في عدم عود الطهورية احتمال أن التغير استتر ولم يزل، فكيف يعطفه المصنف على ما جزم فيه بزوال التغير؟ وذلك تهافت. أجيب بأن المراد زواله طاهرا كما قدرته وإن أمكن استتاره باطنا، فلو طرح مسك على متغير الطعم فزال تغيره طهر، إذ المسك ليس له طعم. وكذا يقال في الباقي. (وكذا) لا يطهر ظاهرا إذا وقع عليه (تراب وجص) أي جبس أو أحدهما أو نحو ذلك كنورة لم تطبخ. (في الأظهر) للشك المذكور، والثاني: يطهر بذلك، لأنه لا يغلب فيه شئ من الأوصاف الثلاثة فلا يستر التغيير. ودفع بأنه يكدر الماء، والكدرة من أسباب الستر، فإن صفا الماء ولا تغير فيه طهر هو والتراب معه جزما.
فائدة: الجص: ما يبنى به ويطلى، وكسر جيمه أفصح من فتحها، وهو عجمي معرب، وتسميه العامة بالجبس، وهو لحن. (ودونهما) أي الماء دون القلتين، (ينجس) هو ورطب غيره كزيت وإن كثر، (بالملاقاة) للنجاسة المؤثرة وإن لم يتغير وإن كانت مجاورة، أما الماء فلمفهوم حديث القلتين السابق المخصص لمنطوق حديث: الماء لا ينجسه شئ السابق، ولخبر مسلم: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده، نهاه عن الغمس خشية النجاسة. ومعلوم أنها إذا خفيت لا تغير الماء، فلولا أنها تنجسه بوصولها لم ينهه، نعم إن ورد على النجاسة ففيه تفصيل يأتي في بابها. وأما غير الماء فبالأولى. وفارق كثير الماء كثير غيره بأن كثيره قوي ويشق حفظه من النجس، بخلاف غيره وإن كثر كما مر ولو تنجست يده اليسرى مثلا ثم غسل إحدى يديه وشك في المغسول أهو يده اليمنى أم اليسرى ثم أدخل اليسرى في مائع لم ينجس المائع بغمس اليد اليسرى فيه، كما أفتى به شيخي، قال: لأن الأصل طهارته