وقد اعتضد باحتمال طهارة اليد اليسرى، ويعفى عما تلقيه الفئران من النجاسة في حياض الا خلية، وعن ذرق الطيور الواقع فيها لمشقة الاحتراز عن ذلك ما لم يغيره ما ذكر. وخرج بالرطب الجامد الخالي عن رطوبة عند الملاقاة وبالمؤثرة غيرها كما سيأتي. وقدرت الماء في عبارة المصنف تبعا للشارح لأجل موافقة سيبويه وجمهور البصريين، لأن دون عندهم ظرف لا يتصرف فلا يصح أن يكون مبتدأ، ويجوز عند الأخفش والكوفيين. ثم اختلفوا فيما أضيف إلى مبني كالواقع في كلام المصنف، فقال الأخفش: يجوز بناؤه على الفتح لاضافته إلى مبني، وقال غيره: يجب رفعه على الابتداء. (فإن بلغهما) أي المتنجس قلتين، (بماء) ولو مستعملا ومتنجسا ومتغيرا بنحو زعفران، (و) الحال أنه (لا تغير به فطهور) لزوال العلة وهي القلة، حتى لو فرق بعد ذلك لم يضر، ويكفي الضم وإن لم يمتزج صاف بكدر لحصول القوة بالضم، لكن إن انضما بفتح حاجز اعتبر اتساعه ومكثه زمنا يزول فيه التغير لو كان، أخذا من قولهم: ولو غمس كوز ماء واسع الرأس في ماء كمله قلتين وساواه بأن كان الاناء ممتلئا أو امتلأ بدخول الماء فيه ومكث قدرا يزول فيه تغير لو كان واحد الماءين نجس أو مستعمل طهر، لأن تقوي أحد الماءين بالآخر إنما يحصل بذلك، فإن فقد شرط من ذلك بأن كان ضيق الرأس أو واسعه بحيث يتحرك ما فيه بتحرك الآخر تحركا عنيفا، لكن لم يكمل الماء قلتين أو كمل لكن لم يمكث زمنا يزول فيه التغير لو كان أو مكث، لكن لم يساوه الماء لم يطهر ولا ينجس أسفل ما يفور بتنجس أعلاه كعكسه. ولو وضع كوز على نجاسة وماؤه خارج من أسفله لم ينجس ما فيه ما دام يخرج، فإن تراجع تنجس كما لو سد بنجس.
مهمة: إذا قل ماء البئر وتنجس لم يطهر بالنزح، لأنه وإن نزح فقعر البئر يبقى نجسا، وقد تنجس جدران البئر أيضا بالنزح بل بالتكثير كأن يترك أو يصب عليه ماء ليكثر، ولو كثر الماء وتفتت فيه شئ نجس كفأرة تمعط شعرها فهو طهور تعسر استعماله باغتراف شئ منه، كدلو، إذ لا تخلو مما تمعط، فينبغي أن ينزح الماء كله ليخرج الشعر معه. فإن كانت العين فوارة وتعسر نزح الجميع نزح ما يغلب على الظن أن الشعر كله خرج معه، فإن اغترف منه قبل النزح ولم يتيقن فيما اغترفه شعرا لم يضر. (فلو كوثر) المتنجس القليل (بإيراد) ماء (طهور) أي أورد عليه طهورا أكثر منه، (فلم يبلغهما لم يطهر) لمفهوم حديث القلتين، لأنه ماء قليل فيه نجاسة، ولان المعهود في الماء أن يكون غاسلا لا مغسولا. (وقيل) هو (طاهر) بشرط أن لا يكون به نجاسة جامدة قياسا للماء على غيره. وفي الكفاية وغيرها ما يقتضي أن الجمهور على هذا الوجه، ولا فرق بين أن يكون ذلك القليل متغيرا أم لا. (لا طهور) لأنه مغسول فهو كالثوب، فلو انتفت الكثرة أو انتفى الايراد أو الطهورية أو كان به نجاسة جامدة لم يطهر جزما، فهذه القيود شرط للقول بالطهارة لا للقول بعدمها. فلو قال: فلو لم يبلغهما، لم يطهر، وقيل: إن كوثر إلخ فهو طاهر غير طهور، كان أولى. قال الشارح: ولا هنا اسم بمعنى غير ظهر إعرابها فيما بعدها لكونها على صورة الحرف وهي معه صفة لما قبلها، أي لأن شرط العطف ب لا أن يكون ما بعدها مغايرا لما قبلها، كقولك: جاء رجل لا امرأة بخلاف قولك: جاء رجل لا زيد. لأن الرجل يصدق على زيد. (ويستثنى) من النجس (ميتة لا دم لها) أصالة. (سائل) أي لا يسيل دمها عند شق عضو منها في حياتها، كزنبور بضم أوله، وعقرب ووزغ وذباب وقمل وبرغوث، لا نحو حية وضفدع وفأرة. (فلا تنجس مائعا) ماء أو غيره بوقوعها فيه بشرط أن لا يطرحها طارح ولم تغيره، (على المشهور) لمشقة الاحتراز عنها، ولخبر البخاري: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء أي وهو اليسار كما قيل وفي الآخر شفاء زاد أبو داود: إنه يتقى بجناحه الذي فيه الداء وقد يفضي غمسه إلى موته، فلو نجس المائع لما أمر به. وقد يؤخذ من ذلك أنه لو نزعها بأصبعه أو عود بعد موتها لم يتنجس، وهو كذلك كما يؤخذ من كلام الكمال بن أبي شريف. وعلى هذا لو رد ما نزع به في المائع ونزع به واحدة بعد واحدة لم ينجس المائع بذلك، لأن الباقي على أصبعه أو العود محكوم بطهارته لأنه جزء من ذلك المائع انفصل عنه ثم عاد إليه. وقيس بالذباب ما في معناه من كل ميتة لا يسيل دمها، فلو شككنا في سيل دمها امتحن بجنسها فتجرح للحاجة، قاله الغزالي في فتاويه: