وكأنه رأى كالرافعي أن هذه الأشياء تخرج بتأييد الاجتهاد بالأصل فاكتفى به. وشرط الاخذ والعمل بالاجتهاد أن تظهر بعده العلامة. (وإذا) اجتهد. و (استعمل ما ظنه) الطاهر كله أو بعضه من الماءين، (أراق الآخر) ندبا، وقيل وجوبا إذا لم يخف العطش ليشربه إذا اضطر، لئلا يتغير اجتهاده فيشتبه عليه الامر كما يندب له ذلك قبل الاستعمال أيضا كما في المجموع والتحقيق. وهو أولى لئلا يغلط فيستعمله. ويمكن حمل كلام المتن عليه على قصد الإرادة كما في قوله تعالى: * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) *. (فإن تركه) أي لم يرقه وصلى بالأول الصبح مثلا ثم حضرت الظهر وهو محدث ولم يبق من الأول شئ، لم يجب الاجتهاد لعدم التعدد. وأما جوازه فثابت على رأي الرافعي دون المصنف، فلو اجتهد على رأي الرافعي أو قويت عنده أمارة بعد ضعفها مع استناده في القوة والضعف لاجتهاد واحد، (وتغير ظنه) فيه من النجاسة إلى الطهارة، (لم يعمل بالثاني) من الاجتهادين على رأي الرافعي، أو ظني الاجتهاد على رأي المصنف. (على النص) لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد. (بل يتيمم) لأنه لا يمكنه استعمال ما معه كما مر، ويصلي (بلا إعادة في الأصح) إذ ليس معه ماء طاهر بيقين، والثاني: يعيد لأن معه ماء طاهر بالظن، فإن بقي من الأول شئ لم يجز لغيره أن يستعمله إلا باجتهاد، ولو أحدث هو لزمه الاجتهاد للصلاة الثانية وإن لم يكف الباقي طهارته، أي إذا لم يكن متذكرا للعلامة الأولى، فإن تغير اجتهاده اجتنبهما وتيمم لما مر وأعاد ما صلاه بالتيمم لبقائهما منفردين لأنه تيمم بحضرة ماء طاهر بيقين له طريق في إعدامه. أما إذا لم يحدث بأن استمر متطهرا حتى حضرت صلاة أخرى فإنه لا يلزمه الاجتهاد وإن تغير ظنه، لأن الطهارة لا ترفع بالظن.
وخرج ابن سريج من النص في تغير الاجتهاد في القبلة العمل بالثاني، وفرق بأن العمل به هنا يؤدي إلى نقض الاجتهاد بالاجتهاد إن غسل ما أصابه الأول، وإلى الصلاة بنجاسة إن لم يغسله، وهناك لا يؤدي إلى صلاة بنجاسة ولا إلى غير القبلة. ومنع ابن الصباغ ذلك بأنه إنما يؤدي إلى نقض الاجتهاد بالاجتهاد لو أبطلنا ما مضى من طهره وصلاته ولم نبطله بل أمرناه بغسل ما ظن نجاسته كما أمرناه باجتناب بقية الماء الأول. وأجيب بأنه يكفي في النقض وجوب غسل ما أصابه الأول واجتناب البقية.
ويؤخذ من ذلك أنه إذا اشتبه عليه ماء مستعمل بطهور أو كان غسل أعضاء الوضوء من الأول أنه يعمل بالثاني لفقد العلة، وهو كذلك. وبما قرر ت به كلام المصنف سقط ما قيل إن ذلك لا يتأتى إلا على رأي الرافعي. ويجتهد في غير الماء أيضا وجوبا إن اضطر، وإلا فجوازا ولو في جنسين كلبن وخل. (ولو أخبره بتنجسه) أي الماء أو غيره عدل (مقبول الرواية) كعبد وامرأة لا فاسق ومجنون ومجهول وصبي ولو مميزا. ووقع في شرح المهذب في باب الاذان قبول إخبار المميز فيما طريقه المشاهدة بخلاف ما طريقه النقل، والمعتمد عدم قبوله مطلقا كما صححه في زيادة الروضة ونقله عن الجمهور. نعم لو أخبر جماعة من الفساق لا يمكن تواطؤهم على الكذب قبل خبرهم، وكذا لو أخبر الفاسق عن فعل نفسه كقوله بلت في الاناء قاله الزركشي.
ومثله الصبي المميز كما قاله بعض المتأخرين. وقد قالوا فيما وجدت شاة مذبوحة فقال ذمي - أي تحل ذبيحته - أنا ذبحتها، أنها تحل وكفى به فاسقا. (وبين السبب) في تنجسه كولوغ كلب، (أو كان فقيها) بما ينجس، (موافقا) للمخبر في مذهبه في ذلك وإن لم يبين السبب، (اعتمده) لأنه خبر يغلب على الظن التنجيس. ويؤخذ من ذلك أن الكلام في فقيه يغلب على الظن أنه يعرف ترجيحات المذهب، فسقط بذلك ما قيل إن في المذهب خلافا في مسائل: كولوغ هرة في ماء قليل بعد نجاسة فمها وغيبتها، وكوقوع فأرة أو هرة في ماء قليل إذا خرجت منه حية، ونحو ذلك. فقد يظن الفقيه الموافق ترجيح المرجوح لعدم علمه بالراجح ولو اختلف عليه خبر عدلين فصاعدا، كأن قال أحدهما: ولغ الكلب في هذا دون ذاك، وقال الآخر: بل في ذاك دون هذا، صدقا إن أمكن صدقهما، فيحكم بنجاسة الماءين لاحتمال الولوغ في وقتين. فلو تعارضا في الوقت أيضا بأن عيناه صدق أوثقهما، فإن استويا فالأكثر عددا، فإن استويا سقط خبرهما لعدم الترجيح وحكم بطهارة الإنائين، كما لو عين أحدهما كلبا كأن قال:
ولغ هذا الكلب في هذا الماء وقت كذا، وقال الآخر: كان حينئذ ببلد آخر مثلا.
فروع: لو اغترف من دنين في كل منهما ماء قليل أو مائع في إناء واحد فوجد فيه فأرة ميتة لا يدري من أيهما هي، اجتهد،