فإن ظنها من الأول واتحدت المغرفة ولم تغسل بين الاغترافين حكم بنجاستهما، وإن ظنها من الثاني أو من الأول واختلفت المغرفة أو اتحدت وغسلت بين الاغترافين حكم بنجاسة ما ظنها فيه، ولو اشتبه عليه إناء بول بأواني بلد أو ميتة بمذكاة أخذ منها ما شاء بغير اجتهاد إلا واحدا، كما لو حلف لا يأكل ثمرة بعينها فاختلطت بثمر فأكل الجميع إلا ثمرة لم يحنث. ولو رفع نحو كلب رأسه من إناء وفيه ماء قليل أو مائع اخر وفمه رطب لم يضر لأن الأصل الطهارة هذا ان احتمل ترطبه من غيره والا ضر ولو غلبت النجاسة في شئ، والأصل فيه الطهارة، كثياب مدمني الخمر ومتدينين بالنجاسة كالمجوس ومجانين وصبيان - بكسر الصاد أشهر من ضمها وجزارين حكم له بالطهارة عملا بالأصل. وكذا ما عمت به البلوى من ذلك كعرق الدواب ولعابها، ولعاب الصبي، والحنطة التي تداس، والثور يبول عليها، والجوخ وقد اشتهر استعماله بشحم الخنزير. ومن البدع المذمومة غسل ثوب جديد وقمح وفم من أكل نحو خبز وترك مؤاكلة الصبيان لتوهم نجاستها - قاله في العباب - والبقل النابت في نجاسة متنجس لا مرتفع عن منبته فإنه طاهر. ولو وجد قطعة لحم في إناء أو خرقة ببلد لا مجوس فيه فطاهرة، أو مرمية مكشوفة فنجسة، أو في إناء أو خرقة والمجوس بين المسلمين ولم يكن المسلمون أغلب فكذلك، وإن كان المسلمون أغلب فطاهرة، وكذا إذا استويا فيما يظهر. (ويحل استعمال) واقتناء (كل إناء طاهر) في الطهارة وغيرها بالاجماع، أي من حيث أنه طاهر فلا يرد المغصوب وجلد الآدمي، لأن تحريمهما لمعنى آخر، وهو تحريم استعمال ملك الغير إلا برضاه، وانتهاك حرمة جلد الآدمي، وقد توضأ (ص) من جلد ومن قدح من خشب ومن مخضب من حجر ومن إناء من صفر، وكره بعضهم الأكل والشرب من الصفر. قال القزويني: اعتياد ذلك يتولد منه أمراض لا دواء لها، وخرج بالطاهر النجس كالمتخذ من ميتة فيحرم استعماله فيما ينجس به كماء قليل ومائع لا فيما لا ينجس به كماء كثير أو غيره مع الجفاف، لكن يكره في الثاني. فالمفهوم فيه تفصيل، فقد خالف حكمه حكم المنطوق. (إلا ذهبا وفضة) أي إناءهما المعمول منهما أو من أحدهما، (فيحرم) استعماله على الرجل والمرأة والخنثى بالاجماع، ولقوله (ص):
لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها متفق عليه. ويقاس غير الأكل والشرب عليهما، وإنما خصا بالذكر لأنهما أظهر وجوه الاستعمال وأغلبها. ويحرم على الولي أن يسقي الصغير بمسعط من إنائهما، ولا فرق بين الاناء الكبير والصغير، حتى ما يخلل به أسنانه والميل إلا لضرورة كأن يحتاج إلى جلاء عينه بالميل فيباح استعماله والوضوء منه صحيح.
والمأخوذ منه من مأكول أو غيره حلال، لأن التحريم للاستعمال لا لخصوص ما ذكر. ويحرم التطيب بماء الورد ونحوه من إناء مما ذكر، والتبخر بالاحتواء على مجمرة منه، أو إتيان رائحتها من قرب لا من بعد. قال في المجموع: وينبغي أن يكون بعدها بحيث لا ينسب إليه أن يتطيب بها، ولو بخر ثيابه بها أو قصد تطيب البيت فمستعمل. قال في المجموع: والحيلة في الاستعمال أن يخرج الطعام من الاناء إلى شئ بين يديه كقشرة رغيف ثم يأكله ويصب الماء في شئ ولو في يده التي لا يستعمله بها، فيصبه أولا في يده اليسرى ثم في اليمنى ثم يستعمله ويصب ماء الورد في يساره ثم ينقله إلى يمينه ثم يستعمله، ويحرم البول في الاناء منهما أو من أحدهما، ولا يشكل ذلك بقولهم: يجوز الاستنجاء بالذهب والفضة، لأن الكلام هناك في قطعة ذهب أو فضة، وهنا في إناء هي منهما لذلك. واستثنى في شرح المهذب الذهب إذا صدئ، ولكن فيه التفصيل الذي في التمويه بنحاس ونحوه. (وكذا) يحرم (اتخاذه) أي اقتناؤه من غير استعمال، (في الأصح) لأن ما لا يجوز استعماله للرجال ولا لغيرهم يحرم اتخاذه كآلة الملاهي. والثاني: لا يحرم، لأن النهي الوارد إنما هو في الاستعمال لا الاتخاذ، وليس كآلة الملاهي، لأن اتخاذها يدعو إلى استعمالها لفقد ما يقوم مقامها بخلاف الأواني، ولا أجرة لصنعته، ولا أرش لكسره كآلة اللهو.
فائدة: جمع الاناء: آنية كسقاء وأسقية، وجمع الآنية أوان، ووقع في الوسيط إطلاق الآنية على المفرد وليس بصحيح.
ويحرم تزيين الحوانيت والبيوت بآنية النقدين على الأصح في الروضة وشرح المهذب، ويحرم تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة. (ويحل المموه) أي المطلي بذهب أو فضة، ومنه تمويه القول: أي تلبيسه. فإن موه غير النقد كإناء نحاس وخاتم وآلة حرب منه بالنقد ولم يحصل منه شئ ولو بالعرض على النار، أو موه النقد بغيره أو صدئ مع حصول شئ من المموه به أو الصدأ، حل استعماله (في الأصح) لقلة المموه به في الأولى فكأنه معدوم، ولعدم الخيلاء في الثانية، فإن حصل شئ