تقديمها في غير الصبي، ويجب الفرض الذي قبلها أيضا إن كان يجمع معها وأدرك قدره كما مر لتمكنه من فعلها. وإنما لم تجب الصلاة الثانية التي تجمع معها إذا خلا من الموانع ما يسعها، لأن وقت الأولى لا يصلح للثانية إلا إذا صلاهما جمعا بخلاف العكس. وأيضا وقت الأولى في الجمع وقت للثانية تبعا بخلاف العكس، بدليل عدم وجوب تقديم الثانية في جمع التقديم وجواز تقديم الأولى، بل وجوبه على وجه في جمع التأخير. أما الطهارة التي يمكن تقديمها على الوقت فلا يعتبر مضي زمن يسعها. (وإلا) أي وإن لم يدرك قدر الفرض كما وصفنا، (فلا) وجوب في ذمته لعدم التمكن من فعلها كما لو هلك النصاب قبل التمكن.
تنبيه: اقتصر المصنف على ذكر الحيض ليعلم منه أن النفاس كذلك لأنه دم حيض مجتمع كما مر، وعلى الجنون ليعلم منه الاغماء بالأولى، ولا يمكن طريان الصبا لاستحالته ولا الكفر المسقط للإعادة لأنه ردة وهو ملزوم فيها بالإعادة.
فصل: الاذان: والأذين والتأذين بالمعجمة لغة: الاعلام، قال تعالى: * (وأذن في الناس بالحج) * أي أعلمهم. وشرعا:
قول مخصوص يعلم به وقت الصلاة المفروضة. والأصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى: * (وإذا ناديتم إلى الصلاة) * وخبر الصحيحين: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم وفي أبي داود بإسناد صحيح عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري أنه قال: لما أمر رسول الله (ص) بالناقوس ليضرب به الناس لجمع الصلوات، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، فقال: أو لا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى، فقال: تقول الله أكبر الله أكبر إلى آخر الاذان، ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: وتقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر الله أكبر إلى آخر الإقامة. فلما أصبحت أتيت النبي (ص) فأخبرته بما رأيت فقال: إنها رؤيا حق إن شاء الله تعالى، قم إلى بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه فيؤذن به، فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى، فقال (ص): فلله الحمد. فإن قيل: رؤيا المنام لا يثبت بها حكم. أجيب بأنه ليس مستند الاذان الرؤيا فقط، بل وافقها نزول الوحي، فقد روى البزار: أن النبي (ص) أري الاذان ليلة الاسراء وأسمعه مشاهدة فوق سبع سماوات ثم قدمه جبريل فأم أهل السماء وفيهم آدم ونوح عليهم أفضل الصلاة والسلام، فأكمل له الله الشرف على أهل السماوات والأرض.
فائدة: كانت رؤيا الاذان في السنة الأولى من الهجرة، قيل: إن عبد الله بن زيد لما مات النبي (ص) قال:
اللهم أعمني حتى لا أرى شيئا بعده، فعمي من ساعته. وقيل: إنه أذن مرة بإذن النبي (ص) وهو أول مؤذن في الاسلام. وقيل: أول مؤذن هو بلال، ولم يؤذن لاحد بعد النبي (ص) غير مرة ل عمر حين دخل الشام فبكى الناس بكاء شديدا. روى الحاكم أن رسول الله (ص) قال: خير السودان ثلاثة: بلال، ولقمان، ومهجع مولى عمر وهو أول قتيل من المسلمين يوم بدر. وذكر ابن حزم أنه لا يكمل حسن الحور العين في الجنة إلا بسواد بلال، فإنه يفرق سواده شامات في خدودهن، فسبحان من أكرم أهل طاعته. (والإقامة) في الأصل مصدر أقام، وسمي الذكر المخصوص بها لأنه يقيم إلى الصلاة، والأذان والإقامة مشروعان بالاجماع، لكن اختلف في كيفية مشروعيتهما، فقال المصنف: كل منهما (سنة) لأنه (ص) لم يأمر بهما في حديث الاعرابي مع ذكر الوضوء والاستقبال وأركان الصلاة، ولقوله (ص): لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه رواه البخاري، ولأنهما للاعلام بالصلاة فلم يجبا كقوله: الصلاة جامعة، حيث يشرع ذلك. لكنه ضعف هذا في المجموع بأنه ليس في ذلك إشعار ظاهر بخلاف الاذان، وفي المهمات بأن ذاك دعاء إلى مستحب وهذا دعاء إلى واجب، وهما سنة على الكفاية كما في المجموع، أي في حق الجماعة كما في سائر سنن الكفاية كابتداء السلام. أما المنفرد فهما في حقه سنة عين. وإنما أفرد المصنف الخبر وهو عائد