وكان مقبلا عليها فأعرض عنها، وظهر منه دليل الزهد فيها فلا بأس أن تطيب المرأة نفسه بأن تدع بعض حقها من نفقة وكسوة وأن يترك القسم لقوله تعالى:
" فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير " وقيل: نزل في سودة بنت زمعة، هم رسول الله صلى الله عليه وآله بطلاقها فقالت: يا رسول الله لا تطلقني ودعني أحشر في زمرة نسائك وقد وهبت ليلتي لأختي عائشة، فلم يطلقها فدل على جواز ما قلنا.
وأما إذا أشكل الأمر فادعى كل واحد منهما النشوز، ولم يعلم الناشز منهما، أسكنهما، الحاكم إلى جنب ثقة يشرف عليهما، ويعرف الناشز منهما، لأن الحاكم لا يمكنه أن يلي ذلك بنفسه، فإن أخبره بنشوز أحدهما حكم بالواجب فيه.
وأما إن علم من كل واحد منهما النشوز على صاحبه وبلغ الأمر بينهما إلى المشاتمة والمضاربة وتخريق الثياب، وإلى ما لا يحل من قول أو فعل، ولم يفعل الزوج الصلح ولا الفرقة، ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية، فهذا الموضع الذي تناوله قوله تعالى: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ".
فإذا ثبت أنا نبعث الحكمين، فهل يبعث بهما الحاكم على سبيل الحكم أو بتوكيل من الزوجين؟ قيل فيه قولان: أحدهما على سبيل التوكيل من الزوجين وعليه يفرع، والثاني على طريق الحكم ليحكما على ما يؤذي اجتهادهما إليه.
فمن قال: على طريق الحكم، بعث الحاكم بالحكمين، ولم يلتفت إلى رضا الزوجين بذلك، وقال لهما: إن رأيتما الإصلاح فأصلحا وإن رأيتما الفراق بطلاق أو بخلع فافعلاه: فإن كانت المصلحة في الصلح فلا بد أن يجتمع الحكمان عليه لأن الصلح من جهة كل واحد منهما، وإن كانت المصلحة في الخلع فكذلك أيضا لا بد أن يجتمعا، لأنه عقد معاوضة يبذل أحدهما عنها ويقبل الآخر للزوج، وإن كانت المصلحة في الطلاق فلا يفتقر إيقاعه إلى اجتماعهما، لأن الذي من جهتها لا صنع