إذا تقرر هذا فالهبة والصدقة والهدية بمعنى واحد، ولهذا نقول: إذا حلف لا يهب هبة فتصدق على مسكين بقطعة أنه يحنث، غير أنه إذا قصد الثواب والتقرب بالهبة إلى الله عز وجل سميت صدقة، وإذا قصد به التودد والمواصلة سميت هدية.
إذا ثبت هذا فإنه لا يلزم شئ منها إلا بالقبض، وكذلك الرهن لا يلزم إلا بالقبض، وكذلك العارية، وله أن يرجع فيها ويسترجع العارية، وكذلك إذا كان له دين حال فأجله فيه كان ذلك هبة، فلا يلزم التأجيل إلا بمضيه، فأما ما لم يمض فهو تطوع غير لازم، وله أن يرجع عنه ويطالبه بالرد في الحال، وقال قوم: يلزم ذلك كله بنفس العقد، ولا يفتقر إلى القبض، ويتأجل الحق بالتأجيل، ويلزم الأجل والأول أصح، لأن ما ذكرناه مجمع على لزومه به، وما ذكروه ليس عليه دليل.
فإذا ثبت أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فإذا وهب شيئا هبة صحيحة ثم إنه باعها، فإن كان قبل الإقباض صح البيع وانفسخت الهبة، وإن كان بعد القبض لم يصح البيع لأنه صار ملكا لغيره.
وإن كانت الهبة فاسدة فباع قبل القبض صح البيع، وإن باع بعد القبض فإن كان يعلم أنها فاسدة، وأنه لا يملك بها صح البيع، وإن كان يعتقد أنها صحيحة وأن الموهوب له قد ملكها فهل يصح البيع؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يصح لأنه صادف ملكه، وهو الصحيح، والثاني لا يصح لأنه لا يبيع، ويعتقد أنه متلاعب بذلك، كما نقول في الرجل يبيع مال مورثه وعنده أنه ما مات، ثم يتفق أن يكون قد مات قبل البيع، قيل: فيه قولان، وكذلك إذا كاتب عبده كتابة فاسدة، ثم إنه أوصى برقبته، وهو معتقد صحة الكتابة ولزومها، فهل تصح الوصية؟ على قولين: أحدهما تصح لأنها صادفت ملكه، والثاني لا تصح، لأنه يعتقد أن الوصية لا تصح، وأن الكتابة لازمة له.
إذا ثبت أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فإذا قبض الموهوب لم يخل: إما أن يكون قد قبض بإذن الواهب أو بغير إذنه.