الكريم كلام الله، وذلك لما بيناه في الجزء الأول في المقدمة الخامسة والسادسة، وفي هذا الجزء في التصدير، بل كل مورد تعرضنا فيه لحال التوراة من متفرقات هذا الكتاب.
وأما قول المتكلف: إن طوى اسم وهمي، فهي دعوى تشوه وجه الأدب، أفيقول: إنه ليس في تلك الناحية واد أصلا ورأسا، أم يقول إنه قد بلغ من العمر آلافا من السنين التي قضاها في تلك النواحي فعلم بالعلم اليقين أنه لم يسم بعض أراضيها (طوى) لا باللغة العبرانية ولا العربية ولا غيرهما، فننقل ذلك بأمانته وتقواه، أم يقول: إن هذه الدعوى من إلهام الروح الذي أخبر عنه ميخا (1 مل 22، 22).
استطراد ومناسبة في الذكر وقال الله تعالى في سورة المؤمنين 20: (وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين).
فقال المتكلف (يه 2 ج ص 98) الصواب إن شجرة الزيتون هي في فلسطين ولم يكن في طور سيناء شجر ولا غيره وإلا لما أرسل الله المن والسلوى إلى بني إسرائيل.
قلنا: لم يحصر القرآن وجود الشجرة بطور سيناء، بل يجوز أن الله جل شأنه خصها بالذكر امتنانا بقدرته على أن يخلق مثل هذه الشجرة النافعة بنوعها من الجبل الصخري.
ولا يسوغ إنكار ذلك إلا بإقامة البرهان على امتناعه في العادة بحسب تلك الأرض، وهو باطل فإن الوجدان شاهد على أن تلك الجبال يكثر فيها الشجر كالطرفاء والعوسج وغيرهما.
وقد كانت تلك الجبال قريبة من عمران الحاضرة مثل ايليم، ومدين، وعصيون جابر، وايلة، بل تكاد أن تعد من ضواحي ذلك العمران، فلا يبعد أنها كانت تستنبت فيها تلك الشجرة وإن كانت لا توجد فيها الآن، فإن الأحوال تتبدل والعمران يتنقل.