لينقض الناموس وأنه يحث على العمل بوصاياه حتى الصغرى.
وذكرنا أيضا معارضة الأناجيل لحكم الطلاق، والحلف، والسياسة ومعارضة باقي العهد الجديد بإباحة ما حرمته التوراة وتطهير ما نجسته ونسخ حكم الختان وسائر القيود.
ثم لنذكر لك شيئا مما اختص به عن التوراة الرائجة، فاعلم أنه قد أكثر في الحث على التقوى ومكارم الأخلاق والزجر عن رذائلها بنحو يفوق على التوراة في حسن بيانه وروحانية تعليمه، ولكنه متى تعدى عن مأخذه شذت به الشواذ وتقلبت به الأحوال.
واعلم أن المسيح ويوحنا المعمدان - أي يحيى بن زكريا - عليهم السلام قد أشرقا على العالم بنور الموعظة والتعليم الروحي، ونشرا لواء الدعوة إلى الكمال الحقيقي، ووقفا نفسيهما الكريمتين في سبيل تهذيب النفوس والأخلاق ونبها على ظاهر أدواء النفوس وباطنها، ومثار أوبئة الأخلاق وفساد الأهواء فحذرا من عدواها، وعلما علاجها، ودلا على دوائها، ففتحا بيمارستان التعليم وطافا لعموم العلاج، ولطفا للناس الدواء، وروقاه بعذب البيان ولطف الدعوة ومزاج الحكمة، واستشعرا الزهد والتقشف والوعظ والإرشاد والعبادة والاجتهاد رغبة فيما عند الله، وليقتدي الناس بهما ويهتدون بهداهما فمهدا سبيل الوعظ والتعليم وسهلا للناس تعاطيه والتفنن في بيانه، فسلكه بعدهما تابعوهما والملتصقون بتابعيتهما، واختلفوا فيه بالقول والعمل بين صادق وماذق وعارف وقاصر وناصح ومخادع.
خليلي قطاع الطريق إلى الحمى * كثير وأن الواصلين قليل فلا عجب إذا إذا تحرى العهد الجديد منهج الوعظ والتعليم تمثلا بشبه الانتساب، ولكنه ويا للأسف كم وكم شذت به الشواذ فجمع بين الأضداد وألقى مضامينه في معترك التناقض (فضح التطبع شيمة المطبوع).
وجاء في الإنجيل الرائج عن قول المسيح لا تدعوا لكم أبا على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات.