واحتقروه فلم يقدموا له هدية (1 صم 10، 27)، ومعنى قولهم هذا هو معنى ما حكاه القرآن من قولهم.
ومن المعلوم أن الذي يقدم هدية للملك إنما هم الأشراف والرؤساء الذين يدبرون أمر العامة في طلب الملك وتبريكه.
وأما هتاف الشعب بقولهم ليحيي الملك (1 صم 10، 24) فيجوز أن يكون بعد اعتراض الملأ والرؤساء على تمليك طالوت، وبعد أن غلبتهم آراء الجمهور انقيادا لصموئيل فتم القرار على تمليكه، ويجوز أن يكون من عامة الشعب ما عدا الرؤساء..
فالعهد القديم على ما به من الخلل لا يعارض القرآن الكريم في هذا المقام، كما توهمه المتكلف، بل هو مع انحلال نظامه يحاول المعنى الذي ذكره القرآن الكريم ولكنه لم يحسن بيانه.
وقال تعالى في سورة البقرة في تتمة المقام المتقدم 249: (وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين).
فاعترض المتكلف (يه 2 ج ص 28) على قول القرآن: إن التابوت تحمله الملائكة، فقال: لم يرد في كتاب الله أن الملائكة حملت التابوت وأدخلته إلى بيت شاول علامة على الملك.
قلت: وقد ذكرنا لك في التصدير حال العهد القديم على وجه لا يبقى لذي اللب أدنى ركون إليه، فكيف بالاعتراض به على القرآن الكريم، ولماذا لا يقال إن كلمة (تحمله الملائكة) قد سقطت منه كالكلمات التي تذكر الحواشي أنها تقرأ وهي غير مكتوبة في المتن وجرت التراجم على تنبيه الحواشي.. وأيضا إن العهد القديم يذكر أن الفلسطينيين لما ردوا التابوت من عندهم إلى بني إسرائيل (فعلوا فعلا لا يمضي معه التابوت إلى بني إسرائيل إلا بنحو خارق العادة يذعنون بأنه من آيات الله، كما أشار عليهم بذلك كهنتهم وعرافوهم (1 صم 6، 6 - 10)، وذلك أنهم وضعوه على عجلة ربطوا بها بقرتين مرضعتين