فنقل إبراهيم هذه القصص الإلهية وأعلمهم إرادة الله.
فلم يبال في ذلك بمخالفة كتبه التي يعول عليها فإن توراته تقول إن نوحا عاش بعد الطوفان ثلاث مائة وخمسين سنة (تك 9، 28)، وتقويم العبرانية يقول بحسابه: إن ولادة تارح أبي إبراهيم لمائتين واثنتين وعشرين سنة من الطوفان، وكانت أيام تارح مائتين وخمس سنين ومات في حاران (تك 11 10 - 32)، وأن إبراهيم لما خرج من حاران كان ابن خمس وسبعين سنة (تك 12، 4).
والعهد الجديد يقول: إن إبراهيم خرج من حاران بعد ما مات أبوه (1 ع 7، 4) فإن فرضنا أنه خرج من حاران في سنة موت أبيه فلا بد أن يكون مولده لمائة وثلاثين سنة من مولد أبيه تارح، فيكون مولد إبراهيم لسنة ثلاث مائة واثنتين وخمسين سنة من الطوفان، فيكون مولده بعد موت نوح بسنتين، فأين تكون رؤية نوح لإبراهيم وإخباره عن الطوفان وأعمال الله معه.
وقال الله تعالى في سورة البقرة 262: (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم أدعهن يأتينك سعيا).
فاعترض المتكلف (يه 2 ج ص 33 و 34) على هذه الآية بأن عبارة القرآن ناطقة بوقوع الشك من إبراهيم في قدرة الله تعالى، وتشبث لذلك برواية من الآحاد.
قلنا: وقد ذكرنا لك في الجزء الأول صحيفة 109 - 110 إن قول إبراهيم (بلى ولكن ليطمئن قلبي) لصريح على رغم أنف الغباوة والعناد بأن إبراهيم مؤمن بهذه الحقيقة لا شك له فيها ولكنه طلب تأييد العقل بالحس ليحصل له الاطمئنان باليقين الكامل، إذ لا شك أن العقل إذا تأيد بالحس كان المعلوم أوقع في النفس وأثبت في اليقين من المعقول الصرف.
وذكرنا لك أيضا أن الرواية يكفي في ردها مخالفتها لصراحة القرآن الكريم وطلبنا منك المقايسة في الدلالة على الإيمان والشك بين قول إبراهيم: