ولم يذكر القرآن الكريم أن هذه الحادثة وقعت في أيام موسى حتى يعترض لمتكلف بكون التوراة الرائجة لم تذكرها، فإن أراد من التوراة مجموع العهد القديم فقد عرفت وتزداد يقينا إن شاء الله بأنه لا بأس على الحقائق إذا خلا منها العهد القديم، فإن عذره في ذلك مقبول، كما ستسمعه إن شاء الله تعالى.
* * * وقال الله تعالى في سورة البقرة 261: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مأة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مأة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم أن الله على كل شئ قدير).
والمتكلف (يه 2 ج ص 31 و 32) في مقام الاعتراض هاهنا عدة أوهام.
الأول: روي عن مجاهد أن الرجل المذكور في الآية كان كافرا شك في البعث، فاعترض عليه بأن الله خاطب هذا الرجل بقوله تعالى: (كم لبثت) والله تعالى لا يخاطب الكافر.
قلت: لماذا لا يخاطب الله الكافر في مقام الحجة والموعظة والتوبيخ، وأن كتب المتكلف تذكر أن الله تعالى خاطب الحية التي أغوت حواء (تك 143 و 15)، وخاطب (أبي مالك) ملك جرار (تك 20، 3 - 8) وخاطب الشيطان (أي 1، 7 - 2، 7).
الثاني: اعترض أيضا بقوله تعالى (آية للناس) فقال وهذا اللفظ لا يستعمل في حق الكافر وإنما يستعمل في حق الأنبياء.
قلت: إن الله لم يقل له قد أرسلتك رسولا للناس وجعلت لك هذه الآية حجة مصدقة لك على دعوى الرسالة، بل قال الله جل اسمه (ولنجعلك آية للناس) وحجة عليهم في أمر المعاد في القيامة، وإنما سبيله في ذلك كسبيل ما