وكرم المروءة وحسن الخلق وحسن الأثر وحسن الولاية ووجدوا أن حربه معهم وإن كانت لأجل أحسن الغايات وأشرفها، وأنفعها للبشر في دينهم ودنياهم، ولكنه (ص) لم يسلك فيها إلا سبيل الدفاع لعدوانهم وحماية حوزة التوحيد والحق بالتي هي أحسن ليرد عادية المعتدين، فجلب قلوبهم ما وجدوه في أثناء ذلك من حسن المعاملة وجميل الصفح وعظيم المن وكرم الأخلاق وأيادي الرحمة مما لا يتصورونه هم ولا غيرهم في محارب مظفر معتز بنصيحة أصحابه وطاعتهم له.
هذا كله ولم تنشب الحرب بمقدار حرب البسوس ولم تزد القتلى على قتلى ربيعة فيها بكثير يذكر، بل يمكن لنا أن نقول: إن كل من قتل في سبيل الإسلام من العرب لا يبلغ ما يقتل في ضلالات العرب وعدوانهم بحروب سنة، وسيأتي إن شاء الله بيان ما ذكرنا على وجهه.
وقال الله تعالى في سورة يونس 88: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين).
فاعترض المتكلف على ذلك بعد أن ذكر شيئا من أقوال المفسرين، وقال (يه 2 ج ص 61) وعلى كل حال لم يأمر الله موسى وأخاه أن يتبوءا بيوتا في مصر، بل أمر موسى بإخراج بني إسرائيل من أرض العبودية ليرثوا أرض الموعد.
قلنا: أما أقوال المفسرين فهم أعرف بمأخذها، ولا مانع منها إلا إصرار المتكلف في إنكار كل ما لا يوافق هواه، أو أغفلت ذكره توراته التي عرفت حالها.
وأما قول المتكلف: إن الله لم يأمر موسى وأخاه أن يتبوءا بيوتا في مصر إلى آخره فإنما هو من الشطط والتغافل عما يقتضيه الحال من لزوم ذلك وأن توراته قد أغفلته مع أنها دخلت في ذلك مدخل الاستيفاء في السيرة البسيطة والتاريخ الساذج، بل جعلت دعوة موسى لبني إسرائيل وترويضهم على الإيمان به وعلى أن يطاوعوه على الخروج من مصر، وعلى أن يدخلوا إلى فرعون ليخلي