وكلا آتيناه حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين).
فذكر المتكلف رواية بأن داود قضى بقضاء وخالفه سليمان فعدل داود إلى قضاء سليمان، فاعترض المتكلف على ذلك (يه 2 ج ص 91)، وقال لا يعقل ولا يتصور أن سليمان كان يتعقب أحكام والده، وكيف يرضى داود بتغيير الحكم أمام رعيته.
قلت: جاء في تفسير علي بن إبراهيم بسند صحيح معتمد عن أبي عبد الله الصادق وهو الإمام السادس من أهل البيت أحد الثقلين اللذين لن يفترقا:
إن المتحاكمين في هذه الواقعة جاءا إلى داود فقال: اذهبا إلى سليمان ليحكم بينكما، وأراد بذلك أن يعرف بنو إسرائيل أن سليمان وصيه من بعده فذهبا إلى سليمان فحكم بينهما، فكان حكم داود كذلك، ولم يختلفا ولو اختلفا لقال الله تعالى وكنا لحكميهما شاهدين بتثنية الحكمين، فدل توحيد الحكم على أن ذلك الحكم الواحد هو حكمهما معا.
وأما قوله تعالى: (ففهمناها سليمان)، فليس المراد منه تخصيص فهم الحكومة بسليمان دون داود، بل المراد بيان النعمة على سليمان بتفهيمه تلك الحكومة حين لم يكن قد جاءته كأبيه داود نوبة النبوة والسفارة الإلهية وتسديد الإلهام في لوازم الرياسة الدينية، وفصل القضاء، بل كانت هذه النوبة لداود، وكل منهما قد حباه الله بهذه النوبة في وقته، وآتاه حكما وعلما مؤيدا له في نوبته.
ثم نقول للمتكلف الذي يقول إن كتب العهدين كلام الله السميع العليم كيف يقول لا يعقل ولا يتصور أن سليمان كان يتعقب أحكام والده، أيقول ذلك لأجل ورع سليمان وديانته، نعم وهو الورع الذي علم الله أهليته للنبوة ولكن كتاب وحي المتكلف يقول: إن سليمان كان له سبعمائة زوجة وثلاثمائة سرية (1 مل 11: 3) وهذا محرم في التوراة على الملك في إسرائيل (تث 17، 14 - 18).
ويقول: إنه (وحاشاه) ذهب وراء الأصنام وبنى لها المرتفعات وآثار العبادة (1 مل 11، 4 - 11).