فلا غرو إذا ذكر القرآن الكريم شيئا قد أهملت التوراة ذكره لكي تكمل الفائدة من كلا الوحيين مثلا.
ولكن أين وأين غرض المتكلف ومعرفته وأمانته من التدبر في هذه الأمور، أفتأمل منه لأجل هذا أن يتورع ويقف عن مثل قوله (غلط) متشبثا بأن التوراة لم تذكر ذلك (كلا).
(وأما ثانيا): فإن مخالفة القرآن الكريم للتوراة الرائجة إن لم تكن من أمارات الحق فلا تورد على الحقيقة شكا، وذلك لأن العقل إذا نظر بعين الاعتبار والاستقصاء إلى ما أشرنا إليه في التصدير وغيره من قلق التوراة في أدوارها وتقلبها في شؤونها، ومكافحة متبعيها لها بالتغليط والرد، فإنه يقرب إلى الظن فضلا عن العلم أن كل مضمون من مضامينها لا بد من أن يكون قد طرء عليه المسخ والتبديل الكلي أو الجزئي مرارا عديدة خصوصا إذا كان المضمون قصة طويلة الذيل، فلا يعتبرها العقل كتاب تاريخ يساوي سائر التواريخ حتى بالنسبة إلى (حلقيا) أو غيره، فانظر أقلا إلى الجزء الأول صحيفة 52 - 60، و 65 - 69، و 346! 347)، وانظر إلى التصدير في هذا الجزء، فلا يسمح لها العقل بأن تقف في صف كتب التواريخ التي لم يعلم بوقوع التقلب والمسخ في مكتوبها وجهالة نسبتها.
ودع عنك أمر الاعتماد على الكاتب، وأنه هل هو من أهل الخبرة بالتاريخ والأمانة في النقل والضبط في الحفظ، هذا إذا أغضى العقل عما فيها من الخرافات التي تؤول إلى الكفر، وما قرفت به يعقوب وموسى وهارون كما تقدم مرارا، وإلا فإنه يقول ويقول.
وليس في قوله تعالى في هذه السورة (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) دلالة على أن القرآن الكريم في هذه القصة ترجمة لما في التوراة الرائجة، كيف وهو جل شأنه يقول: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك)، فإن هذا صريح في أن قصة يوسف إنما هي بوحي ابتدائي.
دع هذا وإن كان لا يمكن أن تدعه، ولكن لو كان القرآن الكريم ترجمة