وقال الله تعالى في سورة النحل 15: (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم)، ونحوه في سورة الأنبياء 32، وسورة لقمان 9.
فنقل المتكلف (يه 2 ج ص 84) أقوال بعض المفسرين الظاهرة في دعواهم: أن الجبال بثقلها تمنع الأرض عن أن تتحرك كرتها على الاستدارة ونحوها، فصار بمقتضى هذه الأقوال يغلط بضلاله القرآن الكريم مدعيا أن الأرض متحركة.
أفتراه لم يشعر بأن ما نقله إنما هو قول بعض المفسرين الذين لا نصيب لهم بشئ من التحقيق، ولم يفوزوا إلا بكثرة الحفظ، ولم يكن همهم إلا رسم التفسير من المسموعات بدون تحقيق، ويكفي في بطلان هذا التفسير أن التضاريس في الكرة والدولاب ادعى لحركتهما على الاستدارة بواسطة ما يصادم التضاريس من القوى، ثم إذا كانت الكرة على عظم حجمها قابلة للحركة إلى فوق أو إلى اليمين ونحو ذلك.
فهل ترى التضاريس الجزئية التي هي من طبيعتها تمنعها عن الحركة...
ومما يوضح فساد هذا التفسير وأنه تقول على القرآن بدون علم، هو أن الميدان لغة وعرفا ليس من نحو تحرك الكرة على الاستدارة أو الاستقامة، وإنما هو حركات متضادة إلى جهات مختلفة على التتابع بواسطة القاسر العنيف، كالزلزال والرجيف.
وهب أن القرآن الكريم كلام واحد من الناس، فهل يحسن ولا يقبح لك أن تعترض عليه بتفسير غيره، أو إنما يحسن لك أن تأخذ تفسيره من ذات المتكلم أو من الحقائق المنطبقة عليه.
ولكن المتكلف رأى أن الهيئة الجديدة رائجة حتى أن غالب المعاصرين يعدونها زعيمة ببيان الحقائق على ما هي عليه، ويعدون مخالفتها من الغلط، فصار يحاول أن يموه على الناس أن فلسفة القرآن الكريم مخالفة لها.. ولما كان القرآن الكريم يصادمه، والحقائق البينة تجبهه التجأ إلى التمويه بقول بعض المفسرين.