فاعترض المتكلف (يه 2 ج ص 60) بأنه حاشا لإبراهيم أن يستغفر له، فإنه يعرف أنه لا تنفع الشفاعة بعد الموت، وبأن أبا إبراهيم ما كان مشركا ولا عدوا لله.
قلنا: إن قوله تعالى: (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) كاف في بيان بطلان الاعتراض وكاشف عن أن الاستغفار كان لرجاء الإيمان فيكون المراد من الاستغفار هو طلب التوفيق للأيمان الذي هو سبب المغفرة، ولكن جل اسمه لا يلجئ المعاند، ولا يوفق إلا من هو أهل، فلما تبين لإبراهيم عناد أبيه، ويأس من إيمانه تبرء منه، كما هو وظيفة الأنبياء والأولياء بل وسائر المؤمنين، فلم يقل لله ولا يقول لإبراهيم ولا غيره من الأنبياء في شأن من يعبد الوثن، والآن إن غفرت خطيئتهم وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت (خر 32، 32)، هذا وقد تقدم الكلام بأن أبا إبراهيم المذكور ما كان مشركا.
وقال الله تعالى في سورة هود 72: (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ 73 فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط 74 وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق).
واعترض عليه المتكلف (يه 2 ج ص 66) بمخالفته لما ذكر في توراته التي عرفت حالها (تك 18، 1 - 16)، وأنموذج اعتراضاته في ذلك هو اعتراضه على نقله أن الملائكة لم يأكلوا حيث أن توراتهم تقول إنهم أكلوا.
قلت: ويظهر وجه اعتراضه بقول توراته، وظهر له الرب وإذا ثلاثة رجال، إلى أن قالت: فجاء الملاكان إلى سدوم، فصنع لهما لوط ضيافة وخبزا فطيرا فأكلا (تك 18، 1 - 19، 4) وهي وإن اضطربت في العدد لكنها لا تخفى دلالتها على أن الملاكين الذين جاءا إلى سدوم هما الذين جاؤوا إلى إبراهيم وأكلوا تحت الشجرة من ضيافته وذهبوا نحو سدوم.
ويتضح وجه اعتراضه بقول عهده الجديد في الملائكة، أليس جميعهم أرواحا (عب 1، 14).