ولعلك تؤيد أوهام المتكلف بدعوى بعض الجغرافيين أن منابت الزيتون منحصرة فيما بين الدرجة الرابعة والثلاثين والرابعة والأربعين من العرض الشمالي، فتقول إذا إن جبل سيناء لا يبلغ الدرجة التاسعة والعشرين، ولكنا ننبهك إلى أن (الجيزة) من أعمال مصر هي من منابت الزيتون الكثير وهي لا تبلغ الدرجة الثلاثين، وكذا (الفيوم) من أعمال مصر أيضا وهو دون الجيزة بنحو ثلاثين دقيقة تقريبا، وهو لا يزيد بالعرض على جبل سينا بأكثر من نيف وخمسين دقيقة، مع أنه ينجبر ذلك في طور سيناء بانكسار الحرارة فيه بسبب ارتفاعه عن انعكاس الأشعة الأرضية، وبسبب قربه من البحر الملطف لهوائه.
وأما قول المتكلف أنه لم يكن في طور سيناء شجر ولا غيره فهي دعوى باطلة مردودة عليه، ولو كان كملكي صادوق بلا أب بلا أم بلا نسب لا بداية أيام له ولا نهاية حياة (عب 7، 3).
وأما احتجاجه بقوله: وإلا لما أرسل الله المن والسلوى إلى بني إسرائيل، فهو من الشطط، لأن القرآن لم يقل إن في طور سيناء أشجارا وبساتين من الزيتون والفواكه ومزارع من الحنطة والشعير ومليونات من الغنم والبقر وكل قسم يقوم بحاجة بني إسرائيل فلا حاجة لهم إلى المن والسلوى، بل لو قال إن في طور سيناء ألف شجرة مما ذكره لما كان منافيا للحاجة لنزول المن والسلوى، كيف لا وأن التوراة تقول: إن الله أعطى المن والسلوى لبني إسرائيل في برية سين في الشهر الثاني لخروجهم من مصر (خر 16، 1 - 17) مع أنهم خرجوا من مصر ومعهم لفيف كثير من غنم وبقر مواش وافرة جدا.
وفي أوائل مجيئهم إلى برية سينا أصعدوا محرقات وذبحوا ذبائح سلامة للرب من الثيران، وكذا بعد ذلك انظر (خر 12، 38، و 24، 5 ولا 8 و 9 وعد 7).
ولو أنا نرضى لمجد معارفنا بالحجة المخدوشة بالاحتمال لقلنا: إن وجود زيت الزيتون الذي جاء به بنو إسرائيل في برية سيناء للضوء ودهن المسحة هو دليل على وجود شجر الزيتون هناك فانظر (خر 27، 20، و 29، 40، و 30، و 24)، ثم انظر أيضا (خر 35، 8 و 28، و 39، 37)، ولكن احتمال