فيما تفعل، (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم) وما هم عليه من الكمالات القدسية الباهرة الباهظة لشهوات الطبيعة البشرية الكاسرة لثورات غضبها (فلما أنبأهم بأسمائهم) واتضح للملائكة وجه الحكمة في خلق النوع الإنساني (قال) جل شأنه: (ألم أقل لكم) وأعلمكم (إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) ومن كان له هذا العلم لا يفوت حكمته شئ من الغائبات عنكم.
هذا ملخص ما جاء عن أهل بيت النبوة في تفسير الآيات، وهل تراه ناظرا إلى تعجيز الملائكة، وإذا حطت خبرا بما قلناه تعرف شطط المتعرب فيما قاله في هذا المقام فإنه شريك المتكلف في اعتراضاته.
وقال الله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس).
فاعترض المتكلف (يه 2 ج ص 12) بأن القرآن نسب إلى الله جل اسمه أنه أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم وحاشا لله القدوس أن يأمر بالسجود لغير ذاته العلية، قال في سفر الخروج (34، 14) لا تسجد لإله آخر، وكتاب الوحي الإلهي يحرم السجود لغير المولى من المخلوقات مهما كانت درجتهم.
قلنا: لنا أن نقول إن المحرم إنما هو سجود العبادة لا سجود التحية والإكرام، وسجود الملائكة لآدم كان من القسم الثاني، وتوراة المتكلف إنما نهت عن القسم الأول لقولها لا تسجد لإله آخر ومعناه لا تسجد لشئ غير الله بعنوان السجود للإله والعبادة له، ولا حجة من كتب المتكلف على تحريم السجود لغير الله إذا كان بعنوان التحية والإكرام، بل في كتب المتكلف حجة على جوازه كما يستنتج ذلك منها من مقدمتين: (الأولى) سجود الأنبياء لغير الله، و (الثانية) أن عمل الأنبياء حجة على جواز ما يفعلونه. أما المقدمة الأولى: فقد ذكرت أن إبراهيم خليل الله سجد لشعب الأرض بني حث مرتين (تك 23، 7 و 12) وقد كان هؤلاء غير مؤمنين.
وسجد يعقوب النبي لعيسوا سبع مرات إلى الأرض، وسجد أيضا نسائه وأولاده (تك 33، 3 - 7).