أما القسم الأول فقد جاء في التوراة عن قول الله لإبراهيم: اعلم علما أنه غريبا يكون نسلك في أرض ليست لهم ويستعبدونهم ويذلونهم أربعمائة سنة، وأيضا الأمة يعبدونها ادينها أنا، وبعد ذلك يخرجون بأملاك عظيمة.
وفي الجيل الرابع يرجعون إلى هنا (أي أرض كنعان)، (تك 15، 13 - 16) وانظر 1 ع 7، 5 - 8).
وفي هذا الكلام دلالة واضحة على أن الأربعمائة سنة هي مدة الاستعباد والذلة في الغربة في الأرض المذكورة التي يخرجون منها كما هو واضح الدلالة على أن الخروج بالأملاك العظيمة إنما هو من أرض الغربة التي يستعبدون فيها أربعمائة سنة، ولا ينطق ذلك إلا على أرض مصر وخروجهم منها، ويزيد في وضوح ذلك أنه جعل الغاية لتلك الغربة أن بني إسرائيل يرجعون إلى أرض كنعان، فلا يمكن أن تكون أرض كنعان داخلة في الغربة والأرض المسوق لهما الكلام.
هذا ثم ذكرت التوراة نفسها أن إقامة بني إسرائيل في مصر كانت أربعمائة وثلاثين سنة (خر 12، 40 و 41) فتناقض تاريخها في المقامين بثلاثين، ولا تتوهم أن سقوط الثلاثين سنة في التاريخ الأول كان لأجل اعتزازهم بعزة يوسف مدة حياته، وذلك لأن عزتهم بحياة يوسف في مصر كانت فوق الثمانين سنة، فإن يوسف وقف بين يدي فرعون وهو ابن الثلاثين سنة، ثم مضت سبع سنين للخصب، وجاء بنو إسرائيل إلى مصر في السنة الأولى أو الثانية من سني الجوع (انظر تك 41، 46 - 55، و 47، 1 - 18)، ومات يوسف وهو ابن مائة وعشرين سنة (تك 50، 26).
(فإن قلت): إن المتكلف قد وجه هذا الاختلاف (يه 1 ج ص 116 و 117 و 4 ج ص 3 - 8) بما حاصله أن مبدأ التحديد بالأربعمائة وثلاثين سنة كان من حين الوعد المذكور (تك 15، 13 - 16) عند دعوة إبراهيم وأمره بالخروج من أهله وعشيرته، وأن مبدأ الأربعمائة سنة كان من ولادة إسحاق أو فطامه.
(قلت): ولماذا سرى إليك داء المتكلف فلم تلتفت إلى ما في كلامه، أم