فاعترض المتكلف على ذلك وقال (يه 2 ج ص 61) إن الله لم يرسل موسى ليدعو فرعون وقومه إلى ديانته، بل إن المولى سبحانه وتعالى أرسله لإنقاذ الأمة الإسرائيلية من الرق والعبودية وإخراجهم من مصر.
قلت: إن اللازم على أمانة المتكلف أن يذكر ما ذكرته توراته في عنوان إرسال الله موسى إلى فرعون، وماذا أمره أن يقوله له، وماذا قال له، ثم إذا ذكر ذلك فليتكئ على سرير تبشيره بمحضر العقلاء العارفين بالله ويقول: إن هذا هو الحقيقة المعقولة اللائقة بجلال الله في إرساله موسى إلى فرعون، دون ما يذكره القرآن.
ولئن طوى ذكر ما في توراته فإنا نذكره ونقول، يقول مضمون توراته إن الله جل شأنه قال لموسى في أول كلامه في حوريب، أني رأيت مذلة شعبي الذي في مصر فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة، إلى أرض تفيض لبنا وعسلا إلى مقام الكنعاني والحثي والاموري والفرزي والحوي واليبوسي (خر 3، 7 و 8)، وأمره أن يبشر قومه بذلك (16 و 17) (فاعرف المقصود من الرسالة واحفظه)، ثم قالت عن قول الله لموسى فإذا سمعوا لقولك تدخل أنت وشيوخ إسرائيل إلى ملك مصر وتقولون الرب إله العبرانيين التقانا، فالآن نمضي طريق ثلاثة أيام في البرية ونذبح لله إلهنا (خر 3، 18) فتكون فائدة هذا الوحي وحاشا لله أمرين (أحدهما) إن الله أمر موسى بأن يأمر شيوخ بني إسرائيل أن يكذبوا على فرعون بقولهم إله العبرانيين التقانا، مع أنه جل شأنه إنما تجلى لموسى في حوريب ولم يتجل لهم ولا التقاهم.
(وثانيهما) إن الله جل شأنه أمر موسى وشيوخ إسرائيل أن يكذبوا أيضا على فرعون بقولهم نذهب طريق ثلاثة أيام في البرية ونذبح لله إلهنا مع أن المقصود هو الذهاب إلى بلاد ذات مدن ومزارع وبساتين وهي أرض الكنعانيين ومن جرى ذكرهم من القبائل، لا إلى البرية، ولا إلى طريق ثلاثة أيام، بل إن أقرب حدود هذه الأرض إلى محل بني إسرائيل في مصر يزيد بعده عنهم على مائة وسبعين ميلا بالخط المستقيم فضلا عن تعاريج الطريق وانحرافاته، فلا يمكن