بالله فهي نسي منسي، وأنت ترى وكل عاقل يرى أنه لا يأمر بذلك ولا يفعله واحد من البرابرة المتوحشين (تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا).
ولئن رضي المتكلف بهذا كله من توراته، فإن العقل والدين ليأبيان لنا أن نرضى ذلك لجلال الله وقدس رسله وهدى كتبه.
ولإيلام المتكلف مع ما ألفه من توراته من مثل هذه الطامات إذا اعترض على القرآن الكريم.
فكيف ترى ليلى بعين ترى بها سواها وما طهرتها بالمدامع وقد حداني الكلام أن أبصرك بالهدى ودين الحق، وأشمك من أرج تاريخ الإسلام نفحة، وأشيمك من سنا أحكامه وأساسياته لمحة، فنقول إن الله تقدست أسماؤه أمر رسوله الصادق الأمين أن يصدع بما يؤمر، ويشمر للدعوة إلى التوحيد وشريعة العدل والصلاح وترك الأوثان وعوائد الجور والفساد، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة بشيرا ونذيرا، فتجرد وشمر (ص) للدعوة مدرعا بالصبر معتدا باليقين ونصح العباد وحسن الخلق والمواظبة على الدعوة للشفيع والوضيع والكبير والصغير والحر والعبد والرجل والمرأة والحاضر والبادي والقرابة والبعيد لا يستصغر فيها حقيرا ولا يكبر فيها جبارا ولا يثنيه عنها اضطهاد ولا يتربص فيها فرصة ولا ييأسه من تأثيرها إصرار الغي.
وقد لباه في دعوته جماعة قد اقتضت حكمة الدعوة أن يأمرهم بالصبر على تحمل الأذى والفرار بدينهم.
واستمر على هذا الدأب سنين عديدة، وقد بث دعوته ودعاته في البلاد ولما لباه أهل المدينة آثر بأمر الله أن يهاجر إليها ليحكم أمر الدعوة وينشر لوائها بدون ثورة شغب، ولتكون مأوى المؤمنين فلا تنقدح بينهم وبين المشركين نار الفتنة، ولكي تشيع منعته فلا يصد من يريد الإسلام خوف الاضطهاد وضعف الجانب، ولا يستنكف من الانضمام إلى حوزته، ولما تمادى مشركوا مكة على الغي واضطهاد من عندهم من المسلمين والتعرض لإطفاء نور الإيمان ويأبى الله