ولا نطالب المتعرب بما ذكره العهد القديم عن ميثاق الله (لفينحاس) (عد 25: 12 و 13)، نعم لنا عليه المطالبة بما يذكره العهد الجديد عن عهد (بطرس) الذي أيسر مدحه في الإنجيل أن المسيح فوض إليه بناء الكنيسة وأعطاه مفاتيح ملكوت السماوات، وأناط الحل والربط فيها بحله وربطه على الأرض (مت 16: 18 و 19) وجعل إليه رعاية الأمة (يو 21: 15 - 18) فإنه قد كان عاهد المسيح نبيه، وبزعم المتعرب - واستغفر الله - (إلهه) معاهدة بأكثر تشديد على أن لا ينكره ولو اضطر إلى الموت (مت 26: 35 ومر 14: 31)، وأنه مستعد لأن يمضي معه حتى إلى السجن وإلى الموت (لو 22: 33) ولم تمض من هذا العهد سويعات حتى جعل عهده المشدد تحت قدميه. وكثر منه الحلف بأنه لا يعرف المسيح وصار يحلف ويلعن (مت 26: 70 - 75) ولمن تظن يلعن، وأن المتحلي بأقل قليل من الصبر الذي نوهت به الآية لا يستهويه الشيطان في مثل هذا الخور، وأني لأحاشي بطرس من هذه الوصمة ولكن المتعرب لا يحاشيه.
ثم اعلم أن سورة براءة هي التي تعلم بالوفاء بالعهد والدوام عليه مع غير الفجرة الغادرين الناقضين للعهد، فقد قال الله جل اسمه فيها بعد أن برء من أولئك الناقضين للعهد 4 (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين) الموفين بعهودهم مع من لم يغدر بنقضها.
فإن قلت: أفما كان من المعروف أن يتم العهد للناقضين وإن غدروا وفجروا، قلت هذا سؤال من لم يعرف من المعروف إلا اسمه، وأحاشيك من ذلك إذ لا يخفى عليك أنه لولا أن إقامة الحجة ومصلحة دين الحق وسياسة ترقية اقتضت الموادعة معهم مدة من الزمان لما حسن الابقاء على الشرك وعوائد الضلال، ومكالبات الجور والعدوان.
أفيقول موحد بأنه يحسن الإبقاء على الشرك والمشركين الفجرة وضلالهم بعد جرئتهم على الغدر ونكث العهد الذي فتحوا به باب التكالب على مقاومة التوحيد والموحدين، وراموا به تجرئة العرب على نقضهم لعهد رسول الله