المتعرب لا يساعده على دعواه تاريخ من التواريخ حتى تاريخ يوسيفوس المتعبد بتقويم التوراة.
وأيضا مقتضى النسخة السبعينية أن المدة من الطوفان إلى مولد تارح تسعمائة وسنتان، فبمقتضى التقويم الذي ذكرناه من مولد تارح إلى وفاة إسماعيل تكون المدة من الطوفان إلى وفاة إسماعيل ألفا ومائتين وخمسا وخمسين، فالمتعرب غلط في التقويم الأول بخمس وستين سنة، وفي التقويم الثاني بخمس سنين، فزاد على نسخ كتبه في الغلط نسختين أيضا، وهو بكتبه المتقلبة وجهله بها وغلطه في الحساب يحاول أن يعترض على المؤرخين، فتعسا للغرور.
وقال الله تعالى في سورة الفجر 5: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد 6 إرم ذات العماد 7 التي لم يخلق مثلها في البلاد).
ولا يمكن لعاقل أن يستبعد ذلك، فإنه لا بد في كل زمان من أن تكون فيه بلدة هي خير بلاده، فلا بد أن تكون من جميع البلاد بلدة هي خير بلاد الدنيا في جميع الأزمان.
فما ظنك ببلدة تصدى للتأنق ببنائها ملك عات مقتدر ساعده على ذلك طول العمر وكثرة المعادن وبكارتها، فلا غرو إذا جاءت خير بلاد الدنيا إلى وقتها أو مطلقا.
وأما ما جاء عن بعض الناس في وصفها فليس على عهدة القرآن منه شئ، ولا يقول المسلمون: إن شدادا نفسه تنبأ في وصف الجنة كما تنبأ (قيافا) في أمره بقتل المسيح (يو 11، 49 - 52) بل يقولون: إن شدادا سمع من أنبياء عصره الذين يدعون إلى التوحيد والخير والصلاح بوعد الله بنعيم الجنة وكبير شأنها لا بالحنطة والخمر، ويحذرون بوعيد الله بعذاب الدنيا والآخرة لا بمحض الفقر والمرض ووطأ الأجانب لزوجة العاصي.
وأن المسلمين لا يشطون على الله ويحصرون النبوة بقبيلة بني إسرائيل ومريم، ودبورة، وخلدة، وحنة، وأربع بنات فيلبس، وبنيهم وبناتهم.