الشيخ: من نظر فيما اتفق عليه التاريخ في حرب بدر يعرف أن المسلمين كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا على أضعف عدة. نوع سلاحهم جريد النخل ولم يكن معهم إلا أسياف قليلة ولم يخرجوا بعزم حرب ولا استعداد لها بل خرجوا لتهديد قافلة قريش بما يعده المهدد الضعيف الذي يطلب دفع الشر بشئ من التهديد.
وكانت قريش نحو ألف رجل منتخبين على أكمل عدة من السيوف والرماح والدروع والخيل والمؤنة فكان انتصار المسلمين عليهم بذلك الانتصار الباهر في الموقف القصير مما هو على خلاف العادة وعلى غير فنون الحرب وقوته ولم يكن فيه قطع لخط الرجعة على قريش ولا استيلاء على مائهم ولا إعمال حيلة حربية ولا خلل في مركز قريش الحربي بل كان على نحو المصادقة التي يسود فيها جانب القوة والكثرة والعدة.
ولقد بين القرآن في الآية السابعة وما بعدها من سورة الأنفال وأوضح إعانة الله للمسلمين بإجابة استغاثتهم يوم بدر وربطه على قلوبهم وإمدادهم بالملائكة وقذف الرعب في قلوب المشركين كما ذكر القرآن المسلمين بنعمة الله عليهم إذ قال لهم في الآية الثالثة والعشرين بعد المائة من سورة آل عمران (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) فكان استيلاء المسلمين في تلك الواقعة بذلك المجد الباهر العجيب هو أولى بالاستناد إلى الله المعين الناصر والمسبب بإعانته الخصوصة وعنايته لذلك الانتصار الخارج عن حدود العادات.
فالقرآن يقول: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا) (1) في المستقبل حربا و (زحفا فلا تولوهم الادبار) (1) فرارا واحتقارا لقوتكم الحربية فإن الله ناصركم ومعينكم ولكم العبرة بانتصاركم على قريش في واقعة بدر فإنكم بحسب العادة لم تقتلوا المشركين ولم تأسروهم بقوتكم وكفاءتكم ورجحانكم في الاستعداد الحربي بل الله هو الذي سبب بنصره وإعانته قتلهم فكانت نسبة قتلهم إلى الله أولى - يا أيها النبي (وما رميت)