وجهها التفصيلي على الجهل العلمي كأكثر الحقائق المحدقة بنا وقد حجبنا عنها جهلنا البشري ولنا الفخر والشرف إذا عرفنا جهلنا بها ولم نخبط العشواء في ظلام الجهل المركب.
بعض وجوه الحكمة في كون المعاد جسمانيا مهما خفي من شئ فلا يخفي شدة ارتباط النفس بالجسم حال الحياة واتحادهما في الائتلاف والأنانية يقول الانسان: (أنا) مشيرا إلى هيكله الحي بروحه وجسمه بإشارة وحدانية بلا نظر إلى مائز في جهته الجسمانية أو الروحانية. ولشدة هذا الارتباط والاتحاد ترى الانسان إذا أراد التعبير عن أحد هذين الأليفين المتحدين يعبر عن أنانيته بالآخر فتارة يقول جسمي وتارة يقول نفسي. يجد أن ملاذه الروحانية ينتعش بها الجسم والروح وكذا الملاذ الجسمانية ويرى الآلام الجسمانية يتأثر بها الجسم والروح وكذا الآلام الروحانية.
يعلم نوع الانسان أن جسمه سوف تفارقه الحياة وتنفصل عنه الروح فيعود جمادا يتلاعب به البلى. وإنك ترى نوع الانسان بحسب طبعه الأولي ومنهم من لا يذعن بخلود النفس كيف يحاذر في حياته على حال جسمه فيما بعد الموت مهما أمكنه ويغار عليه مما يمس كرامته ولا يهون عليه أن يكون معرضا للاستهانة والإهانة والاستهزاء وتناهب الوحوش له ولا يستسلم إلا لما استسلم إليه نوع الانسان كرها بل يود تحسين قبره وقربه من أهله وهذا هو الذي دفع المصريين وكثيرا من القدماء وبعض من هو بعدهم إلى تعاطي التحنيط وإيداع الجثث في المحافظ المتينة والمواقع التي تدافع يسيرا إسراع البلى.
ولئن سمعت ببعض من يوصي بحرق جثته أو يرضى به فإنما ذلك من مباد خيلت له أن في ذلك حفظا لكرامتها ودفاعا عن ابتلائها بالمحاذير الكبيرة كمن يرضى بالعملية الجراحية دفعا لما هو أعظم منها من المحاذير