مبدأ إدراك يشترك به نوعه وتسمو به إنسانيته ويمتاز به فيها.
ألا وهو العقل الذي تنكشف له الحقائق على ما هي عليه من الصفات فينادي الادراك الانساني بصفاتها تحسينا أو تقبيحا ويؤثر تأثيره في النفوس من وجهتها النوعية في الانسانية سواء وافقته الأميال الشخصية أم خالفته.
هل يخفى أن للانسان نفسية تراعي شخصياته وله عقلية تراعي الحقائق التي لا تستميلها الأهواء.
هذا الظالم الذي يريد بأهوائه ونفسيته أن يتوصل إلى ظلمه بالتزوير ورشوة الذي يحكم له يجئ إلى مرجع محاكمته فيبذل له الرشوة ويوفيه صورة الاحترام ويخضع له في الكلام والاستعطاف ويعده شكر الاحسان فإذا زاغ المرتشي عن العدل والحق فحكم للظالم بالجور الذي يلائم ميله ويحبذه بظالميته وشهوانيته فإن هذا الظالم يدرك بعقله وإدراكه الانساني قبح حكم الحاكم وانقياده إلى الجور ويراه منافرا لعقليته والشعور العقلائي والوجدان الانساني وإن لائم نفسيته ووافق مطلوبه الشخصي ويرى نقصان الحاكم بالجور واستحقاقه للمذمة وأنه ليذمه وينتقصه وإن وافق هواه.
وإذا أبى ذلك الحاكم إلا أن يحكم بالعدل والحق مهما تضاعفت الرشوة وزاد التملق ولم يرض لشرفه ودينه إلا الحكم بالحق والعدل فإن حكمه بالعدل ينافر ميل الظالم ويغضبه في نفسيته وأهوائه ولكن ذلك الظالم بذاته يقدر بعقله ووجدانه الانساني حسن عدل الحاكم واستحقاقه لكرامة المدح والثناء.
وهكذا الحال فيما إذا طلب الظالم من شخص أن يساعده على ظلمه بشهادة الزور فإن شهادة الشاهد زورا تلائم ميل الظالم ويحبذها بشهوانيته ولكنه يدرك بعقله وإدراكه الانساني قبح الشهادة من المزور وقبح انقياده إلى الزور ويرى ذلك منافرا لعقليته وشعوره العقلائي وإن لائم نفسيته ويرى نقصان شاهد الزور واستحقاقه للمذمة.