والرقي في مراتب الكمال الحقيقي تركها مهملة جاهلة وحشية فوضوية لم يهذبها بالتعليم الصالح الضامن لكمالها وحسن اجتماعها وعمرانها وحفظ مستقبلها. بل تركها تعوم في غمرات الجهل وتخبط في ظلمات الوحشية وتتجاذبهم تشريعات الفوضوية المتلونة والتعاليم الشهوانية والأخلاق الاستبدادية. فهل تقول: إن هذا الملك لا يقبح منه هذا الترك لرعيته وهذا الاهمال لإصلاح مملكته؟ وهل تراه كاملا؟
وهل تليق هذه الحال بالكامل؟ أم تقول: إن هذا قبيح لا يجتمع مع الكمال ولا يكون من كامل صالح. هل تقول هذا لأجل مخالفته لنفسيتك وأميالك الشخصية؟ أم تقول به لأجل مخالفته لوجدانك العقلائي الذي تشترك به مع نوع البشر.
لا أظنك تقول. إن الملك المتسلط على الرعية بالاستحقاق والمالك لهم على الإطلاق لا يقبح منه أن يهمل أمر الرعية وإصلاح المملكة هذا الاهمال. بأن تقول: إنه له أن يفعل ما يشاء حسب تسلطه وقدرته. ألا تدري أن الشعور الحر يرى هذا الاهمال مضادا للكمال والاستقامة وكلما تقدم الملك في الكمال ازداد هذا الاهمال قبحا وبعدا عن مقام كماله المقدس. لم يكن حكم العقل بلزوم إصلاح الملك لرعيته ومملكته من ضعفه وتصور سلطته لكي يقف هذا الحكم عند قدرته ونفوذه بل هو من أجل كمال الملك وشرف ملكه وحسن الإدارة والمقدرة عليها.
في الشريعة أيها الدكتور فهذا الإله الكامل على الإطلاق العالم بالخفيات والمحيط بحقائق المصالح والمفاسد وأسرارها إله الرحمة والرأفة والصلاح والاصلاح هل يليق بجلاله وكماله وقدسه ورحمته أن يهمل الانسان المدني الطبع ويتركه بلا تعليم يكمله ولا شريعة تنظم اجتماعه وتهذب مدنيته وتحفظ الحقوق وتقوم بالاصلاح جارية على حقيقة الحكمة في مصلحة النوع والفرد تكافح فلتات الجهل بحقائق المصلحة النوعية وتقاوم