الخالق القادر العليم الذي أنشأها أول مرة وقدر أوضاعها وأشكالها ومقاديرها وصلابتها ولينها ومفاصلها على مقتضى الحكمة وحاجة الغاية ووصلها بالأربطة وأكمل نظامها بآلات البدن العجيبة فأجرى فيها أعمال الحياة وحفظ الكيان.
أيها الجاحد للمعاد هذا الخالق العليم الذي ينشئ العظام في الأدوار المتعددة والمواليد المتعاقبة بكثرة لا تقدر أن تحصيها وقدر نشؤ متماثلاتها على ناموس واحد وتماثل باهر ليست هي وحدها بل جميع مواليد العالم في أدوارها.
هذا الخالق الذي تعرفك أنواع مخلوقاته التي لا تحصى وأطوارها بأدوارها وتشهد بأنه لا يعييه خلق ولا يغيب عن علمه خلق وأنه بكل خلق عليم وبكل مخلوق عليم. فهل يغيب عن علمه جمع رميم العظام وخلقها على صورتها الأولى وإحيائها؟ ماذا يكبر إحياء العظام الرميمة على إنشاء العظام من النطفة وإحيائها في دور من أدوار النشأة الأولى.
وفي سورة الإسراء المكية 48 (انظر كيف ضربوا لك الأمثال) في جحود المعاد (فضلوا) في غيهم وأصروا على خيالات الأهواء وانهمكوا في أوهامهم فلا يعتبرون بمبدأهم ولا يفكرون في خلقهم ونشئهم وأبعدوا أفكارهم عن جادة الرشد والسير في نهج الاعتبار ودلالة الهدى إذن (فلا يستطيعون سبيلا) إلى معرفة الحق ما داموا معطين قياد أفكارهم بيد الأهواء والاصرار عليها حتى استدبرت بهم الطريق وورطتهم في خبط العشواء 49 (وقالوا) في غوايتهم في ضرب الأمثال لجحود المعاد وحسبوا أنهم جاءوا بالحجة والقول الفصل والبرهان الكبير. مع أن جهد ما خيلت لهم أوهامهم هو أن يقولوا (أإذا) تقطعت أوصالنا و (كنا عظاما) مجردة (ورفاتا) عظاما متحطمة بالية بعد ذلك (أإنا لمبعوثون خلقا جديدا) في الصورة من تلك المواد البالية 50 و 51 (قل) لا تقتصروا في المثل على العظام والرفات بل لتتقلب بعد ذلك بأجزائكم الصور وتلعب بها عوامل التغيير المقدر في نظام العالم لتبعد