وأما إذا أبى المدعو لشهادة الزور إلا أن يجري على الحق فإن الظالم نفسه يقدر بعقليته حسن امتناع المدعو عن شهادة الزور ويراه مستحقا بهذه الفضيلة للمدح والثناء.
تجد الناس الذين لا علاقة لهم لا بالظالم ولا بالمظلوم ولا بالحاكم ولا بالمدعو لشهادة الزور ولا بما تعلقت به الخصومة وليس لهم ميل إلى جانب أصلا تراهم يقتبحون في الصورة الأولى فعل الحاكم وجوره ويرونه ناقصا أهلا للمذمة والانتقاص. وكذا شاهد الزور ويستحسنون عدل الحاكم في الصورة الثانية ويرونه بذلك مستحق الثناء من العموم وكذا من امتنع عن شهادة الزور. لا يختلف الناس في ذلك سواء كانوا إلهيين أم ماديين على شريعة إلهية أو شريعة زمنية.
هذا كله وأمثاله في أعمال الناس مكشوف لكل أحد وعليه استمرار طريقة الناس في الأعمال طريقة فطرية لا يعتريها شك ولا يشوشها تشكيك شبهة.
هذا كله يوضح للبداهة أن حسن الفعل غير منحصر بملاءمته للنفسية والميل النفسي ولا بموافقته للشرع.
وإن قبح الفعل غير منحصر بمنافرته للنفسية والميل النفسي ولا بمخالفته للشرع. بل إن الحسن والقبح صفتان ثابتتان للفعل بحسب العقلية المشتركة بين البشر يدركهما العقل مهما اختلفت النفسيات واضطربت الأميال الأهوائية.
ولا نمنعك أن تقول إن حسن الفعل عقلا هو ملاءمته للعقل المشترك بين البشر وإن قبحه عقلا هو منافرته للعقل المشترك بين البشر.
لكنا نقول لك إن هذه الملاءمة إنما هي أثر للحسن العقلي الذي هو الصفة الأصلية للفعل وكذا نقول في المنافرة وبحسب ما ذكرناه من طريقة الناس الفطرية المستمرة الجارية على البداهة والوجدان العام يتضح أن الانسان غير مجبور في أعماله لكي يبطل تحسينها وتقبيحها عند العقلاء.