بجهله قطعها شرا كبيرا صنع معه. ولقد سبق التنبيه على هذا في كتاب أنوار الهدى صحيفة 61 - 73.
كل إنسان في العالم لا استحقاق له في شئ من الوجود والحياة والصحة والثروة والعز والأولاد والأحبة وجميع ما يرغب فيه. ولا يدخل شئ منها تحت قدرته ولا مساس لتأثيره بها. بل إنها كلها نعم ابتدائية تفضل بها عليه واهبها من دون استحقاق للانسان لأقل قليل منها.
فكل ما تعده من الموت والأمراض والأوجاع والفقر والبلايا والمحن وفقدان الأحبة إنما هو قطع للنعمة المحدودة بحسب الحكمة. لا شر ولا إيذاء ولا اضطهاد للاستحقاق ولا استلاب للشئ المستحق. لكن الانسان الأثيم أليف الطمع والحرص والشره وكفران النعمة بجهله ولؤمه وكبريائه يعد قطع النعمة شرا.
يكفر بالنعم السابقة ويسخط على المنعم ويتجرأ عليه إذا قطعها لحكمة.
وإن الكثير من نوع الانسان لا تراه يعترف بما ذكرناه من الحقيقة الواضحة إلا إذا أنعم على إنسان تفضلا وابتداء من دون استحقاق ثم قطع نعمته فصار ذلك الانسان يشكوه وينسب له الإساءة والإيذاء بقطع النعمة ويعد ذلك عليه شرا مذموما.
فترى المنعم حينئذ تتجلى له حقيقة ما قلناه ويوبخ هذا الشاكي على لؤم الحرص وكفران النعمة ونقص الجهل ورذالة الطمع وخسة الأخلاق.
الآلام والأوجاع إن تنعم النفس بالنعم الجسمانية ومنها وجود الجسم وصحته إنما هو بخلق الرابطة الأكيدة والعلقة الوثقى بين النفس وجسدها وبجعل تلك الرابطة طبيعية على ناموس مستقر لكي يتم للنفس نعيمها وتنعمها بآلية الجسد بتلك النعم التي لا تحصى ولكي تكون مسخرة في حفظ الجسد