ومخادعات الزيغ والأهواء. وقد نبه نفس القرآن على ذلك بقوله في سورة آل عمران 7 (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) جارية على الصراحة في المعاني الحقيقية المؤيدة بحكم العقل واقتضاء السياق فتندحر عنها احتمالات المجاز في الشعور المستقيم. فقد أحكمت عباراتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه بحسب أهل اللسان المستقيمين في الشعور والمبرئين من غواية الأهواء وفلتات الجهل.
ومن ذلك قوله في الآية الثالثة بعد المائة من سورة الأنعام المكية (لا تدركه الأبصار) هذا القول الذي يعتضد معناه الحقيقي المحكم بدلالة العقل على أن الإله ليس ماديا تدركه الأبصار..
وكقوله في مقام الانكار على الأشرار في الآية الثامنة والعشرين من سورة الأعراف المكية (إن الله لا يأمر بالفحشاء)...
وقوله في الآية التسعين من سورة النحل المكية (إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى حته وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) والآيات المحكمات (هن أم الكتاب) وأصله الحاكم الذي ترد إليه الحكومة حتى في المتشابهات (و) منه آيات (أخر متشابهات) (1) في بادئ الأمر يحتاج فهم معانيها إلى القرائن العقلية أو الحالية أو المقالية لكون تلك الآيات جارية على مقتضى البلاغة العربية وأسلوب كلام العرب الراقي في التفنن في محاسن المجاز والتمثيل والاستعارة والكناية فتشتبه الاحتمالات فيها بادئ بدء في أول النظر إلى معانيها (فأما الذين في قلوبهم زيغ) (2) وانحراف عن الهدى والاستقامة (فيتبعون قلوبهم ما تشابه منه) (1) ويتشبثون به في مقام الاضلال وتأييد الأهواء (ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) (3) وحمله على مغالطات الأهواء رغما على دلالة القرائن من محكمات القرآن ودلالة العقل والقرائن.