هذا وأما ما نقرأه فيها من الأعداد فلم يعد مخفيا على أحد أن التحريف قد تطرف من النساخ بلا قصد وهي تختلف من نسخة إلى أخرى ولهذا يستحيل الاعتماد على ما جاء فيها من هذا القبيل) انتهى محل الحاجة.
وليت شعري ماذا أبقى هؤلاء الروحانيون من الاعتبار لتوراتهم إذ حكموا بتحريف الفصل الأول منها بأجمعه وتحريف ما تضمنته من التاريخ من أولها إلى آخرها: ولا أظن هؤلاء الروحانيين يسمحون بالاعتراف بتحريف توراتهم فيما فيها من الخرافات الكفرية في قصة نهي الله لآدم عن الأكل من الشجرة، وتمشي الله في الجنة، وخوفه من بناء برج بابل وقصة الذين جاءوا إلى إبراهيم وإلى لوط، وبركة يعقوب ومصارعته وغير ذلك مما ذكر بعضه في الجزء الأول من هذه الرحلة.
ومن جرأة الانهماك بالمذهب الداروني ما وجدناه في صحيفة 242 من مجلة الحرية البغدادية من قول بعض إن الحجر الأساسي الذي لم يكشف إلا على عهد داروين وهو الذي يدعوه علماء الطبيعة (نظرية النشوء والارتقاء) ليس لداروين بل هو لرجل أعظم منه وقد صرح بهذه الحقيقة الطبيعية وهذا النص بحروفه (خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة) (1) إلى آخره. إنتهى ملخصا فانظر واعجب كيف تقهقر العلم وتسافل أمر الاحتجاج وسهل التناقض.
وقل إذا كان الحجر الأساسي لم يكشف إلا على عهد داروين فكيف يكون لرجل قد سبقه بنحو اثني عشر قرنا في كتاب يقرأه الكثير من البشر.
وأي ربط في الآية الشريفة بتحول أنواع الأحياء. بالنشؤ والارتقاء والانتخاب الطبيعي لا بالخلق الخصوصي الذي تصرح به الآية وتؤكد حقيقته. ولماذا لم يكتف هذا القائل باحتجاج داروين لمذهبه بتربية