والبغي.
كان ينبغي لك أن تجعل مجد الله وقدسه بين عينيك وملء ضميرك فتفهم أن المراد أمرنا المترفين بأوامر الصلاح والعدل والاحسان فخالفوا أوامر الحق وفسقوا فكيف بك والقرآن يصرح بأن الله لا يأمر بالفحشاء وينهى عنها وعن المنكر والبغي.
لو كان مجموع هذا الكلام من إنسان لكانت القرينة فيه واضحة على أنه لا يأمر بالفسق بل يأمر بالصلاح فيفسقون. كأنك وأنت مسلم لم تسمع في شأن القرآن قوله في الآية الثانية والثمانين من سورة النساء (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) تفرض بأهوائك أن الله يأمر المترفين بالفسق مع أن القرآن لم يذكر بماذا يأمر المترفين.
وتعرض عن دلالة العقل والقرآن على أن الله لا يأمر بالفحشاء والمنكر والبغي.
ولا تعرف أن الذي تزعمه بغفلتك يوجب اختلافا كبيرا في القرآن وكل هذا لم يعدل فكرك لماذا؟
ولماذا لم نعرف أن المراد من الآية أن أهل القرية إذا خالفوا بديهيات عقولهم في المعارف الإلهية وأعمال الصلاح والفساد وعبدوا أهوائهم واستحقوا النكال قطعا لدابر المفسدين وأراد الله بحكمته أن ينكل بهم فلا ينكل بهم إلا بعد تأكيد الحجة عليهم بأوامره الشرعية في واجباتهم من الأفعال والتروك كما في قوله تعالى في الآية الخامسة عشرة من سورة الإسراء أيضا: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) فيأمر المترفين في عموم أهل القرية يأمرهم باتباع الهدى والصلاح والعدل والاحسان ومجانبة الأميال الشهوانية والفلتات الغضبية فيكون المترفون عبيد الشهوات المألوفة لهم أسرع إلى الفسق بمخالفة أوامر الله فيعدي فسقهم وفجورهم غيرهم كما قيل (الناس على دين ملوكهم) ويتساهل الباقون في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيفسقون بذلك أيضا فتتم الحجة على الجميع ويحق عليهم العذاب.