النعيمان الجسماني والروحاني الشيخ: لبيان الحقيقة بقية كاد طول الكلام أن يحجبها بستار الاغفال وهذه البقية هي التي تنبه على ميزة الحقيقة بحسنها الجامع وبهجتها المعشوقة: نرى الانسان في هذه الحياة له لذتان ونعيمان، نعيم جسماني قائم بمرغوبات الجسم وشهواته ومروحاته، ونعيم روحي تبتهج به النفس وترتاح إليه وهو إدراكها للحقائق والمعقولات الكريمة والمعارف العالية وابتهاجها بكمالاتها وملكاتها الراقية وكريم مقامها في رفعة العز والاحترام وسلامتها من انحطاط النقائض ومهانة الانتقاص والتوبيخ. فالصالح المستحق لنعيم الآخرة قد أعد له الفوز بالنعيمين وبشر بهما. النعيم الجسماني والنعيم الروحاني الذي تشتاق إليه النفس وترغب فيه ذلك اليوم.
وإنك ترى نوع البشر في دار الدنيا يكون نظرهم إلى النعيم الجسماني ورغبتهم فيه أكثر من الروحاني ولأجل ذلك جرت حكمة القرآن الكريم على كثرة بيانه لمجد النعيم الجسماني في الآخرة أداء لحق الاستصلاح والترغيب في الصلاح بنحو يشوق الفكرة النوعية البشرية.
ومع ذلك قد أعطي النعيم الروحي في الآخرة حقه من البشري والترغيب به وبيان مجده الكبير بوجهته الحقيقية المطلوبة في ذلك اليوم.
يرغب الانسان في حفظ مقامه ومرتبه شرفه وأن يوفى حقه من التكريم والاجلال فبشر بذلك في الآية السابعة والأربعين من سورة الحجر المكية بقوله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) كل من أهل النعيم يوفي صاحبه حقه من الاحترام ويرضى كل منهم بمقدار حقه.
وفي الآية الثالثة والأربعين من سورة الأعراف: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها) بفضيلة صلاحكم واستحقاق كمالكم بأعمالكم واجتنابكم الرذائل فكانت كرامة تكريم ودلالة كمال وجزاء (بما كنتم