بنحو 27 قرنا ذات منزلة سامية) فتقول: إن هذا الكتاب بمجد انتسابه الخديوي يعترف بأن بناء الكعبة كان قبل ولادة إسماعيل بل قبل ولادة إبراهيم فإن أقصى ما يكون بين مولد إسماعيل وبدء الاسلام لا يبلغ الستة وعشرين قرنا بل إن ما بين مولد إبراهيم وبدء الاسلام لا يتجاوز الستة وعشرين قرنا على ما هو المحصل من التواريخ المبنية على تاريخ العهدين.
لكن لا يخفى عليك أن هذا الكاتب يصرح في الصحيفة 88 من هذا الكتاب أن الذي بنى الكعبة هو إبراهيم ومعه ابنه إسماعيل.
فلعله يريد من القرن في كلامه المتقدم مقدار ثمانين سنة كما ذكره اللغويون لا مائة سنة. أو أنه وقع غلط مطبعي في الرقم بأن كان صحيحه 25 فصار بالغلط 27 وعلى كل حال فإن هذه التشبثات تتلاشى في جنب ما هو المعلوم عند الأمة العربية في قرونها وأجيالها على ما ذكرناه ومهما ذكر من أن الكعبة كانت يجعل فيها الأصنام فإنما هو من النظر السطحي إلى بعض أحوال الكعبة في بعض القرون فإنك لا تجد تاريخا يذكر أنها أسس بناءها فلان وأحدثه لأجل العبادة الأصنامية بعد أن لم يكن.
أو أنها أحدثت هيكلا لعبادة الأوثان في العام الفلاني في القرن الفلاني قبل مولد إبراهيم أو بعد وفاته لا تجد أحد يجترئ على ذلك بل إن دخول العبادة الأصنامية إلى أرض الحجاز وما والاها في عهد إبراهيم (ع) وما قبله لا يعرف له نص ولا أثر في التاريخ مع ما في التاريخ من اضطراب الأوهام والخرافات كما هو شأن المتأخر الذي لا مادة له إلا نوادر المسموعات وأطرافها. ولأجل ذلك ترى المعاصرين لا يعتنون إلا بما يؤخذ من كتابة الآثار القديمة.