من الدهر متممة بقوله تعالى. (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما * يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما) (1) والخامسة والخمسين من المدثر متممة بقوله تعالى: (وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة) (2) فهذه الآيات الثلاث لماذا لا تدل على أن الانسان ليس حر المشيئة والإرادة بل إن مشيئته مقيدة وتابعة لمشيئة الله وإن الانسان لا مشيئة له بدون مشيئة الله ولا يقدر أن يشاء.
الشيخ: وأزيدك بأنه جاء في الآية الحادية عشرة بعد المائة من سورة الأنعام (ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) (3) يا رمزي لماذا لا تلتفت إلى أن القرآن لم يقيد مشيئة الانسان للإثم بمشيئة الله. ولم يقل إلا أن يشاء الله في مقام ذكر العصيان ومشيئة الانسان له حتى إنه لم يقل ذلك بعد الثامنة والعشرين من الكهف ولا بعد الآية الأربعين من سورة فصلت ولا بعد الأربعين من سورة المدثر.
أفلا تفهم من هذا أن الله لا يشاء ضلال الانسان وعصيانه. أفلم يستلفت هذا ذهنك إلى أن الانسان بسبب أميال النفس وشهوانيتها وتزيين الشيطان المغوي يرجح جانب شهواته وشخصياته وبسبب نعمة العقل وهداية الله وإرشاده ولطفه وتوفيقه يرجح جانب الصلاح واتباع الحق والإيمان بالحقائق والتزين بالأخلاق المتكفلة بالسعادة والاستقامة وصلاح الاجتماع. لماذا لا تعرف أن مشيئة الله المذكورة في الآيات الأربع إنما هي كناية عن هداية الله وإرشاده وتوفيقه.
هذه الأمور التي تبصر التفكير وتمهد له سبيل الهدى وتنور الإرادة الحرة فترجح جانب الاستقامة وأخذ السبيل إلى الله والإيمان به.