الخامسة عشرة بعد المائة من سورة التوبة (وما كان الله ليضل قوما) ويرفع عنهم عنايته بالتوفيق (بعد إذ هداهم) بدلالة العقل في معرفة الحسن والقبيح (حتى يبين لهم ما يتقون) ويجتنبونه من المآثم والرذائل إقامة للحجة وتأكيدا لدلالة العقل وبيانا لما يخفى عليه أو أخفته العوائد الوحشية والغوايات الأهوائية.
هذا الكلام الذي يقدس الله وينوه بمجده ورحمته ولطفه ويبين أنه الهادي برحمته وأنه لا يضل قوما بعد أن رحمهم بالهدى حتى يوضح لهم الأمر ويؤكد عليهم بالارشاد والتنبيه ويبين لهم ما يتقون هل يمكن أن يعني من الاضلال مساعدة الله الضلال والالجاء إليه أو خلقه في الضال؟
إذن فأين يكون تقديس الله وتمجيده. أما أن هذا الكلام المتقدم في الآيات إذا سمعته من بشر يتكلم به لم يسوغ لك شرف الفهم وأخذ النتيجة من مجموع كلام المتكلم وشؤونه إلا أن تقول: إن المراد من الاضلال هو رفع العناية والتوفيق هذا وإن لم نلتفت إلى القرينة بدلالة العقل ونفس القرآن على قدس الله.
إن الإله الذي يتمجد بأنه لا يأمر بالفحشاء وأنه ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ويعظ الانسان هل يمكن أن يخبرنا بأنه يساعد على الضلال أو يلجئ الانسان إليه أو يخلقه فيه؟
أفلا يكون ذلك التمجد دليلا على أن المراد من الاضلال معنى لا ينافي ذلك التمجد؟ أفلم تعرف ما ذكرناه من قوله في الآية السادسة والثمانين بعد المائة من سورة الأعراف (ومن يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون) وأن الاضلال هو أن يترك المتمرد يعمه في طغيانه وترفع عنه عناية التوفيق لخروجه عن اللياقة للطف بعد ما وضحت له الدلالة وقامت عليه الحجة بالمواعظ والزواجر.
أفلم يتضح ذلك أيضا من قوله في الآية الثالثة والعشرين من سورة الجاثية (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على