حكمة فيه.
فليس لابيقورس وأتباع مزاعمه من هذه الجهة أدنى تشبث خيالي.
وأما الجهة الثانية الراجعة إلى خلق الانسان مختارا في أعماله فإن مزاعم أبيقورس وأتباعه تتلاشى فيها بالالتفات إلى حكمة إتمام الإله لنعمته على الانسان وإكرامه له بحرية الإرادة والقدرة لكي يتهيأ له السبيل إلى معارج الكمال والسعادة باختياره محاسن الأفعال وتحصيل مكارم الأخلاق واستحقاق المدح وثناء الشرف لكي يتنعم بإدراكه للذة الصلاح الاختياري ورفعه الكمال التحصيلي والارتقاء لكرم الأخلاق الكسبية واستحقاق المدح.
هذا في هذه الدار الدنيا وقبل الجزاء العظيم والنتيجة الكبرى في الدار الآخرة ومقام السعادة العظمى والنعيم الدائم والجزاء الخالد. تلك النشأة التي لا تقدر كرامتها العظيمة ولا تحد، لا يشمخ في أهوائه سن يجحد الدار الآخرة فإن ما أشرنا إليه من الفوائد في دار الدنيا كاف في الحكمة والنعمة بخلق الانسان حر الإرادة والقدرة. وإن هذا لهو الروح لنعمة وجوده والمظهر للذة حياته في الابتهاج بكماله ورقيه في فضيلة الصلاح.
أتم الإله على الانسان هذه النعمة والكرامة بأن جعل في بديهيات إدراكه وفطريات شعوره معرفة لفضيلة الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة وأسباب الكمال وحسن ذلك وكرامة نتائجها الراقية الفاضلة المحبوبة.
ومعرفة الأخلاق الخسيسة والأعمال الردية وأسباب النقص والسقوط وقبح ذلك ورذالة نتائجها السيئة الذميمة البغيضة. وأيد هذه المعارف وأزال عنها معثرة الغواية ووساوس الأهواء فأرسل الرسل والأنبياء بدعوتهم الصالحة وإيضاحهم لما يخفى من ذلك على العقول أو يستر غباره الغفلة واتباع الأهواء وعضد الرسل بالكتب المقدسة وما فيها من البيان والارشاد