وقاصد الإقامة غير قاصد لثمانية فراسخ في سفر واحد.
ومنه تبين أن وجه الاقتصار على خصوص المرور إلى الوطن والإقامة في الأثناء مع أن التردد ثلاثين يوما عندهم من القواطع. حيث إنه لا يعقل قصد البقاء مترددا ثلاثين يوما فلا مجال لاستكشاف عدم قاطعيته بعدم ذكره هنا.
نعم في إقامة الدليل على تنزيل المتردد منزلة المتوطن إشكال، لما عرفت في نظيره من أن أدلة وجوب الاتمام على المتردد كوجوبه على المقيم لا دلالة لها على قاطعية التردد للسفر موضوعا وإنما غايتها ارتفاع حكم القصر عنه وهو لازم أعم فلا بد من دليل يدل على التنزيل كما ورد في باب الإقامة وإن المقيم بمنزلة أهل مكة وربما يستدل لهذا الأمر برواية إسحاق بن عمار (1) " قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن أهل مكة إذا زاروا عليهم إتمام الصلاة؟ قال (عليه السلام): نعم والمقيم إلى شهر بمنزلتهم ". نظرا إلى أن أهل مكة حيث سافروا سفر التقصير فلذا سأل الراوي أنه عند زيارتهم للبيت هل ينقطع سفر هم فيجب عليهم الاتمام أم هم على سفر هم. والمقيم المتردد إلى شهر إذا كان بمنزلتهم كان ينقطع سفره بإقامة شهر مترددا.
والجواب إن فرض التردد إلى شهر في المقيم بمكة إما أن يكون قبل الخروج إلى منى وعرفات، أو بعد الخروج. لا مجال لفرضه قبل الخروج إذ لا تردد لمن ورد مكة لأعمال الحج سواء أكان بشهر أو أقل. ففرض نية الخروج عن مكة قبل انقضاء الحج بعيد في الغاية. وفرض تردده بعد الخروج إلى عرفات شهرا لا يلائم فرض زيارة البيت بعد شهر إذ العادة على الزيارة في أيام العيد والتشريق أو بعد النفر من منى، بل لا يجوز تأخيرها عن آخر ذي الحجة لجميع أصناف الحاج.
وأما فرض إقامته جزما قبل الخروج في التروية ليوافق ما ورد في باب المقيم عشرا من أنه إذا زار البيت أتم الصلاة فهو مع أن تحديده إلى شهر بلا موجب، يخرج عن مورد البحث وهي: " الإقامة مترددا ثلاثين يوما ".